Site icon IMLebanon

حكومة تصريف أعمال “مقنّع” حتى الانتخابات؟

 

يؤكّد جميع المسؤولين والأفرقاء المعنيين بانعقاد مجلس الوزراء، أنّهم ليسوا من يعطّلون اجتماع الحكومة. ويرمي كلّ منهم على الآخر مسؤولية التعطيل. كذلك يجزم هؤلاء جميعاً، أنّهم مع حلّ معضلة «بيطار – الحكومة» واستئناف جلسات مجلس الوزراء اليوم قبل الغد. هذا في التصريحات، لكن عملياً، ما زال مجلس الوزراء ممنوعاً من الانعقاد منذ ما يقارب الشهرين، بعدما اعترض الوزراء الشيعة في جلسة المجلس الأخيرة في 12-10-2021، على طريقة المحقق العدلي في جريمة المرفأ طارق بيطار.

منذ أن أخذ مسار اعتراض «الثنائي الشيعي» على بيطار منحى رسمياً عملياً، من خلال فرملة انعقاد مجلس الوزراء، توالت أزمات أخرى على لبنان والحكومة، منها ما يبدو أنّ حلحلتها بدأت، مثل الأزمة مع السعودية، في حين أنّ أياً من الحلول المطروحة لحلّ مشكلة الإعتراض على عمل بيطار لم يُبصر النور، على رغم الإلحاح الدولي، وخصوصاً الغربي، على استئناف عمل الحكومة وإنجاز التفاوض مع صندوق النقد الدولي والإصلاحات المطلوبة، وعلى رغم تحرُّك داخلي ومبادرات لحلّ هذه المعضلة، ومنها حركة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي تجاه الرؤساء الثلاثة.

 

رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ضدّ أي تدخّل لمجلس الوزراء في عمل القضاء، خصوصاً الناظر في قضية جريمة 4 آب 2020، ويؤيّدان اتخاذ مجلس النواب مبادرة في هذا الخصوص، مثل اتهام النواب والوزراء السابقين المدّعى عليهم من بيطار وإحالتهم الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، أو مع مبادرة من داخل المؤسسة القضائية بهذا الخصوص. في المقابل، يحاذر رئيس مجلس النواب نبيه بري إدخال المجلس في هذا الأمر، تخوفاً من انقسامه، بحيث تُنزع الميثاقية عن جلسة كهذه أو قرار بهذا الخصوص، إذ إنّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لم يُعطِ كلمةً بعد بالمشاركة في الجلسة والتصويت مع الإحالة الى المجلس الأعلى. أمّا «حزب الله» فيعتبر أنّ الحكومة مسؤولة في قضية بيطار، وجاء موقف «الحزب» الأخير على لسان عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله، الذي أكّد «أنّنا نريد لهذه الحكومة أن تفكّك كلّ الألغام من طريقها، وأن تحلّ مشكلتها وتجتمع مجدداً، لكن عليها أن تذهب لمعالجة أسباب عدم اجتماعها، ونحن لسنا مع التعطيل، وهو ليس من جهتنا، فسببه الاعتداء على الدستور والقوانين.. ودائماً هناك تعطيل لأي حلّ عبر القضاء والقانون والدستور، وبالتالي لا يُمكن للحكومة أن تقول أن ليس لها علاقة بهذا الأمر».

 

موقف «حزب الله» هذا لن يدفع ميقاتي الى مجاراته. فرئيس الحكومة متمسّك بثوابت لا يُمكنه الحياد عنها، ومنها أنّ السلطة التنفيذية لا يمكنها التدخّل بالسلطة القضائية، وهذا أمر غير وارد لديه، بحسب قريبين منه. وبالتالي، هناك حلّان لا ثالث لهما لحلّ مشكلة الإعتراض على بيطار، بالنسبة الى ميقاتي: إمّا أن يجري اجتراح حلول ضمن الجسم القضائي داخلياً، أو بمبادرة من مجلس النواب، وعدا عن ذلك لا يُمكن الحكومة أن تتخذ مبادرة تجاه القضاء لأنّ هذا يُعتبر تدخّلاً بعمل السلطة القضائية، وهذا الامر غير وارد لديه. لكن في الوقت نفسه، لن يعمد ميقاتي الى تحدّي «الثنائي الشيعي»، على رغم جرعة الدعم التي حظي بها من خلال الاتصال الثلاثي مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي، كخطوة أولى في مسار حلحلة الأزمة مع الرياض. وبالتالي، هناك مروحة اتصالات داخلية قائمة ومستمرّة، يلعب بري دوراً أساسياً فيها لحلّ مشكلة «بيطار – الحكومة»، يأمل ميقاتي أن تظهر تطوراً خلال الأيام القليلة المقبلة، يؤدّي الى الخروج من حال المراوحة القائمة على مستوى الحكومة.

 

وفي حين كان أعلن ميقاتي قبل زيارته الأخيرة للكرسي الرسولي، أنّه يتجّه الى دعوة مجلس الوزراء الى الانعقاد بعد عودته من الفاتيكان، إلّا أنّه أعلن فور عودته الى بيروت عكس ذلك، لجهة أنّه «يتريث في دعوة مجلس الوزراء». ويوضح قريبون من رئيس الحكومة، أنّه لم يقل إنّه سيدعو المجلس مباشرةً، بل قال إنّه يجب الدعوة، وفي الوقت نفسه قال إنّه لن يكون صيغة صدام بل صيغة تلاقٍ، وهو لن يدعو الى جلسة متفجّرة أو تصادمية بين الأفرقاء، خصوصاً في هذه المرحلة المفصلية، حيث هناك مخاض على مستوى المنطقة يتأثر به لبنان. فصيغة رئيس الحكومة تاريخياً هي تخفيف الصدامات الداخلية وصيغة وسطية وتدوير الزوايا، بحسب المصادر إيّاها. وبالتالي، لن يدعو ميقاتي الى جلسة لمجلس الوزراء الّا حين يكون هناك حدّ أدنى من التوافق، لأنّه يريد الحكومة أن تجمع لا أن تفرّق، وعملياً عندما يكون هناك ما يجمع، سيدعو الى جلسة، أمّا انعقاد مجلس الوزراء بصيغة تحدٍّ أو انقسام، فأمر غير وارد لدى رئيس الحكومة حتى اللحظة.

 

موقف ميقاتي هذا يعتبره البعض أنّه «مجاراة» أو «انصياع» لـ»الثنائي الشيعي»، حتى لو بطريقة غير مباشرة وانطلاقاً من نية حسنة ودواعي التوافق والضرورات، إلّا أنّ القريبين من رئيس الحكومة يؤكّدون أنّه «لا يجاري أحداً بالتعطيل، لكن واقع لبنان متشعّب ومأزوم، بحسب ما يوصّفه العالم كلّه، وفي النهاية على رئيس الحكومة أن يسير بمقاربة للواقع اللبناني بطريقة لا تزيد التأزّم بل تخفّض من منسوبه. أمّا الصيغ التي تُطرح وليست من ضمن اقتناعاته، فلا يجاريها، مثل تدخُّل مجلس الوزراء بعمل بيطار، وهو يلعب دوره كرئيس حكومة، إن عبر العمل في السرايا الحكومية أو على مستوى عمل الوزراء بقدر الصلاحيات في وزاراتهم وبأقصى ما يمكن، الى حين اجتراح الحلول التي يأمل ألّا تكون بعيدة».

 

كذلك، وعلى رغم عدم الاتفاق حتى اللحظة على حلّ مشكلة التحقيق في جريمة المرفأ، فإنّ الاستقالة غير واردة لدى رئيس الحكومة، وذلك لأنّه «يقدّر في هذه المرحلة حجم الفراغ وتداعياته، أقلّه على وضع الانتخابات التي ستصبح في مهبّ الريح. فالحكومة القائمة حاجة وطنية، خصوصاً في هذه المرحلة، حيث أنّ هناك كمية من الملفات الوطنية المتراكمة. فصحيح أنّ هناك انقساماً داخلياً إنّما هناك سلطة لديها مطلق الصلاحيات لكي تأخذ القرار في الوقت المناسب، أمّا إذا اجتُزأت هذه السلطة من خلال استقالتها، فهذا الأمر سينعكس على الملفات كافةً، وبالتالي سيؤدّي الى تعقيد الصورة وليس تحسين الوضع»، بحسب القريبين من ميقاتي.

 

هذا الواقع إذا طال، سيعني أنّ هذه الحكومة ومن دون أن تستقيل ستكون حكومة تصريف أعمال «مقنّع» بحسب جهات سياسية، إذ إنّ هناك خطاً أحمر دولياً يمنع استقالة الحكومة، في حين أنّ المشكلة الداخلية القائمة هي التي تمنع اجتماعها. وكان ميقاتي عبّر عن ذلك أخيراً بقوله من القصر الجمهوري: «إنّ الحكومة ماشية لكن مجلس الوزراء مش ماشي».