وصلت حكومة نجيب ميقاتي إلى اليوم المئة من عمرها وهي تعيش عزلة وعجزاً، أو هي تموت تدريجياً منذ يومها الأول.
والأرجح أنها ولدت جثة. وحال رئيسها أشبه بأحوال عدد كبير من الجمعيات والأحزاب التي لا تضم إلا مؤسسها، وربما زوجته وأولاده في أحسن الأحوال.
ليس مهماً في هذا الموت تحليل الأسباب والتراشق بالمسؤوليات. المهم هو إرتضاء ميقاتي منذ البداية بما يتعرض له اليوم، وما سيتعرض له في الآتي من الأيام.
المهم هو في قبوله هذا الإلغاء لدور مجلس الوزراء ورئيسه والسلطة التنفيذية المناطة به، ليصير منفذاً لما يتم التوافق عليه بمعزل عنه وعن دوره كسلطة ثالثة، ويصار إلى تبليغه بالقرارات والإتفاقات التي تتم بين أصحاب النفوذ الفعليين.
وإذا لم يستجب، له أن يفشَّ خلقه ويعلن أنه اتخذ “موقفاً حازماً بلغ مستويات أكبر من حدّ الاستياء لكنه ما زال تحت سقف الحرص على عدم الاستقالة والتفريط بالحكومة”.
وكأن هذه الحكومة أمنع وأغلى من التفريط بها بعدما تحوَّلت لزوم ما لا يلزم لأصحاب النفوذ الفعليين.
الحاكم بأمره يفاوض من حالفه ليتمكن من تأمين الغطاء الشكلي الضروري لمتابعة مشاريعه القاضية بمصادرة السيادة وإلحاق البلد بالمحور الإيراني. ولا يجد هذا الحاكم حاجة ولو بالحد الأدنى ليقف على خاطر ميقاتي. ولا يهتم قليلاً أو كثيراً بعلاقاته الدولية وإتصالاته الثلاثية ومساعيه مع الصندوق الدولي المشترط إجراء الإصلاحات الملزمة لتحقيق نتائج إيجابية من أي مفاوضات.
الحاكم بأمره يبيع ويشتري ليتمكن من إلغاء القضاء ومفاعيله، بحيث يصبح إدخال قنبلة نووية عبر ما تبقى من مرفأ بيروت حقاً من حقوقه التي لا تستوجب المساءلة، وفي المقابل لا مانع عنده من نسف قانون الانتخابات والدستور برمته لتأمين بقاء الحليف على قيد الحياة السياسية على الرغم من أنوف كل اللبنانيين، إذا إستدعى الأمر ذلك.
فمن حضر السوق يبيع ويشتري. والمتحكم بالسوق أقفل كل دكاكين الرئاسة الثالثة، وألغى حيثيتها لتصبح مكسر عصا مستضعفة ومستباحة في معادلة المنظومة.
ويبقى بلا رصيد مفعول الكلام الإعلامي عن مواقف ميقاتي المبدئية و”رفضه اعتبار مجلس الوزراء ساحة لتسويات تتناول مباشرة أو بالمواربة التدخل في الشؤون القضائية بالمطلق”.
أما التلويح بأنّ “أي موقف لاحق قد يتخذه سيكون مرتبطاً فقط بقناعاته الوطنية والشخصية وتقديره لمسار الأمور”، فهو لا يستقيم ولن يستقيم ما دام البلد تحت الاحتلال الإيراني. وهذا الاحتلال لن يتأثر لا بمواقف ولا بقناعات ولا بتدوير زوايا لحل العقد المتوالدة وفق مصالحه ومصالح من يحتاجهم غطاءً ليستكمل أجندته.
مجلس الوزراء ساحة وأداة للإبتزاز. هذا ما لا يحتاج إلى دليل. دليله منه وفيه وفي الشلل المفروض عليه منذ لحظة ولادته. وهذا الواقع لن يغيره إجماع دولي وعربي على تصنيف لبنان مرتعاً للفساد والأعمال الإرهابية وتصدير المخدرات.
لا تنفع الزيارات الأممية والمطالب البديهية لحقوق المواطنين وحقوق الدولة ومؤسساتها، ولا تردع الدراسات التي تشير إلى أن نسبة الفقر المتعدّد الأبعاد في لبنان تضاعفت من 42% عام 2019 إلى 82%.
لا ينفع ولا يردع إلا الانسحاب من هذه المهانة، وترك أدوات الاحتلال الإيراني يتحملون وحدهم من دون سواهم تبعات الإنهيار الذي يسعون إليه، ومقاومتهم بوحدة تجمع كل اللبنانيين الذين يدفعون ثمن هذا الاحتلال من كرامتهم وأرزاقهم ولقمة عيشهم.. وليس بسياسة تدوير الزوايا التي نشهد وبالعين المجردة مدى عقمها وآخرتها المشؤومة.