ترسيم، انتخابات، اصلاحات، موازنة، مكافحة فساد وتبييض اموال، عناوين رفعها ديبلوماسيون اميركيون في بيروت، فتصدرت جزءا من المشهد السياسي المحلي، فيما الحدث العالمي المتصدر الصفحات الاولى في وسائل الاعلام متمحورا حول التطورات الميدانية لغزو روسيا لاوكرانيا، رغم المواقف الدولية غير المشجعة، ليس آخرها تبني الهيئة العامة للامم المتحدة قرارا ضد روسيا بدا لافتا فيه الموقف الصيني، مع تقدم ضغوطات الغرب على موسكو بعقوبات اقتصادية موجعة.
وسط هذا الترقب للتطورات الاوكرانية ساعة بساعة، نسبة لتأثيرها البالغ على مجمل دول العالم، يستمر لبنان غارقا في ازماته المتوالدة يبحث فيها عن حلول لمواقف اكبر منه، عاد مجلس الوزراء ليكون ساحة لتصفية الحسابات.
وسط هذا الوضع المتأزم يتخوف الكثيرون من انفجار جلسة مجلس الوزراء اليوم في بعبدا ، نظرا لما يحويه جدول اعمالها من الغام، حيث تنقسم الآراء بشكل عمودي بين المكونات السياسية للحكومة، بحسب ما تبينه التصاريح، التي اصابت تحالف اهل البيت الواحد في الثامن من آذار، على خلفية المواقف المستجدة «المنتقدة» لرئاسة الجمهورية واستراتيجيتها في معالجة الملفات، وان حاول سعاة الخير التخفيف من وقعها وتوصيفها تارة «بغسل القلوب العلني» وطورا «بالمعاتبة»، رغم ان بعبدا قرأتها وفقا لحقيقتها وواقعها.
ومن بين المسائل الاساسية التي يعمل عليها ، رشح خلال الساعات الماضية معلومات تحدثت عن اتصالات تجري بعيدا عن الاعلام لسحب مسألة اثارة بيان وزارة الخارجية حول الحرب في اوكرانيا عن الطاولة، وسط اصرار بعض الفرقاء على ضرورة تصحيح ما حصل، خصوصا ان شرح الوزير عبدالله بوحبيب لما حصل جاء ليزيد الطين بلّة»، حيث تشير بعض المصادر الى انه لا يمكن ان يمر مرور الكرام وان يشكل سابقة تعتمد كقاعدة فيما بعد ، مع اقرارها بان تلك الحرب دخلت حلبة الصراع الداخلي اللبناني، ومرشحة في الفترة المقبلة لتعزيز الانقسام والاشكالات بين الأطراف المختلفة. علما ان اجتماع القصر الجمهوري يوم الاربعاء الذي ضم الرئيسين عون وميقاتي ووزير الخارجية اعاد التأكيد على البيان الصادر، اي عدم التراجع، رغم كل الضجة التي أُثيرت حوله، ما ترجم تصويت لبنان في الهيئة العامة للامم المتحدة الى جانب «المحور الغربي».
اما المسألة الثانية، فهي مسألة التعيينات الامنية بجزئيها المنجز، في المجلس العسكري في الجيش، وغير المنجزعلى صعيد مدير مساعد في المديرية العامة لامن الدولة، الذي رغم انجاز الاتفاق حول الاسماء، عادت الامور الى مربعها الاول من التعقيد ، على ضوء المستجدات التي طرأت وتشعب الملف، دون ان يعني ذلك سقوط التسوية السارية في امن الدولة لما امنته من مصالح لطرفيها.
اما الموضوع الابرز، فهو متعلق بقانون الانتخابات ومسألة الميغاسنتر تحديدا، حيث علم وفقا لمصادر متابعة لدراسة وزير الداخلية انه يُمكن تطبيقها نظريا وعمليا، الا ان ذلك يفرض اجراء تأجيل تقني للانتخابات يسمح بتطبيقها، وهو ما سيصر عليه الوزراء المقربون من التيار الوطني الحر والمحسوبون على رئيس الجمهورية، مشيرة الى ان تلك النقطة تعتبر اساسية بالنسبة «للبرتقالي» ، الذي رأى في تنفيذها طوق نجاة للخروج من المحاصرة الانتخابية التي يتعرض لها، والذي بلغت حد الابتزاز من قبل بعض الحلفاء.
والى كل ما تقدم، اضافت تغريدة «جنرال بعبدا»، التي جاءت لتضع النقاط على الحروف وللرد على الهجمة المستمرة منذ مدة بلغت حد التخوين، فقد بدت لافتة في توقيتها بُعيد موقف حزب الله من مسألة ترسيم الحدود ودخوله بقوة على خطها، وقبيل استقبال السفيرة الاميركية في القصر الجمهوري، ومضمونا باعتبارها ان رئيس الجمهورية يباشر صلاحياته وفقا لما نص عليه الدستور والقانون، لذلك فان الرئاسة خارج اي استهداف، ما اضاف مزيدا من السوداوية الى المشهد العام.
فرئاسة الجمهورية، وفقا لاوساط سياسية لن تسمح بان تكون مكسر عصا عند من يظن ان العهد انتهى، فالكلمة الاولى والاخيرة ستبقى «للجنرال» طالما هو موجود في بعبدا، وانه مستعدّ للتصدي لاي طرف، حليفا كان ام خصما ينتقد قراراته، خصوصا في الاستحقاقات الكبيرة والحساسة التي يُواجهها لبنان، والتي سيكون الآمر الناهي الفعليّ فيها، وهذا ما ستبينه الايام.