Site icon IMLebanon

حكومة تصريف الأعمال..!

 

ما يجري في لبنان منذ فترة ليست قصيرة، يؤكد أن الدولة في غيبوبة متمادية، وأن السلطة الحاكمة تُعاني من عجز متمادٍ، وأن أهل الحكم يفتقدون إلى الحكمة والحصافة التي لا بد منهما لكل رجل دولة.

 

كل شيء في البلد يوحي بأن الأوضاع المتدهورة تسير من سيىء إلى أسوأ، وكأن اللبنانيين مخطوفون في بوسطة فقد سائقها السيطرة عليها، وأصبح الجميع يتوقعون الوصول إلى أسفل الوادي بين لحظة وأخرى.

 

المشاكل تتراكم، الأزمات تزداد تعقيداً، والتحديات تكبر يوماً بعد يوم، والحكومة تتصرف وكأنها في واقع تصريف الأعمال، وغير قادرة على إتخاذ القرارات اللازمة لوضع قطار الإصلاح والإنقاذ على السكة الصحيحة.

 

** مضى على وقوع البلد في لجج العتمة أكثر من ستة أشهر، ومناقشات مجلس الوزراء أشبه بالنقاشات البيزنطية، وكل الوعود الوردية بتأمين التيار الكهربائي عبر الغاز المصري والكهرباء الأردنية بقيت مجرد أحلام، بل ومجموعة أوهام، تبخرت مع نكوث واشنطن بوعودها في إستثناء مصر والأردن ولبنان وسوريا من بعض بنود «قانون قيصر»، وإستحالة السيطرة على أنابيب الغاز المارة في الأراضي السورية واللبنانية، والتي تتعرض للتخريب كلما تم تجهيزها لضخ الغاز إلى محطة دير عمار في الشمال. مما يعني أن ساعة الكهرباء الوحيدة كل ٢٤ ساعة مستمرة إلى أن تنتهي شحنات النفط العراقية بعد أقل من ثلاثة أشهر فقط.

 

** ما يُقال عن الكهرباء يمكن القول مثله، عن أزمة المحروقات المتجددة عند كل إرتفاع في سعر النفط، وانعكاساته على أسعار البنزين والمازوت في لبنان، والتي بلغت أرقاماً فلكية بالنسبة لأكثرية اللبنانيين، في ظل الإنهيار الدرامي في قيمة الليرة، وتلاشي القدرة الشرائية للعملة الوطنية، وبقاء الرواتب والأجور دون تعديل يُذكر. وعند أي إهتزاز في تسعيرة وزارة النفط تهتز أسواق المحروقات في لبنان، وتعود الطوابير إلى الظهور أمام محطات المحروقات، في مشاهد تُهيمن عليها مشاعر الإذلال والمهانة.

 

** أسعار السلع الضرورية والمواد الغذائية المتفلِّتة في السوبرماركات من أية رقابة فاعلة، تكشف يومياً عجز الدولة الفاضح في فرض هيبتها على تجار الجشع والإستغلال، وعدم قدرتها على مواجهة أرباب الإحتكار والمتلاعبين بلقمة عيش الناس.

 

لا يُعقل أن ينخفض سعر الدولار بمعدل أكثر من الثلث (من ٣٣ إلى ٢٠ألف)، وتبقى معظم الأسعار على مستوياتها المرتفعة، وما انخفض منها كان من باب رفع العتب، وأقل بكثير من نسبة تراجع سعر الدولار. وما زاد مسألة الأسعار تفاقماً هذا الإرتفاع الجنوني في أسعار المواد الزراعية عشية إطلالة شهر رمضان المبارك، دون أن تُحرّك وزارة الإقتصاد والأجهزة الرقابية المعنية ساكناً. علماً أن تصدير المنتوجات اللبنانية ما زال متوقفاً إلى دول مجلس التعاون الخليجي، فكيف ستكون عليه الأسعار لو كان باب التصدير للخليج مفتوحاً.

 

** إضطراب العلاقة بين المصارف والمودعين منذ تشرين الأول ٢٠١٩، وإحتجاز أموال الناس في المصارف، والإختلاف المستمر بين البنك المركزي والمصارف ووزارة المال في توزيع نسب الخسائر بين الأطراف الثلاثة، والتأزم الحاصل بين قضاء الحكم والمصارف، ولجوء جمعية المصارف إلى الإضراب يومي الإثنين والثلاثاء، كلها معطيات تُدين تقصير حكومة الإنقاذ في تنظيم العلاقة بين المصارف والمودعين من جهة، وفي الفشل في التوصل إلى صيغة مقبولة لتوزيع الخسائر المليارية، ووضع خطة إعادة تنظيم وهيكلة القطاع المصرفي. والأنكى من كل ذلك أن قانون الكابيتال كونترول أُقرّ في مجلس النواب، ولم يأخذ طريقه إلى التنفيذ العملي، وبقيت الفوضى ضاربة أطنابها في القطاع المصرفي، على حساب المودعين الذين يندبون جنى أعمارهم المنهوب من المنظومة السياسية الفاسدة.

 

** المفاوضات مع صندوق النقد الدولي مازالت من الألغاز المستعصية في مسار الحكومة، التي يُطلق الوزراء المعنيون فيها تصريحات متضاربة حيناً، وغامضة في معظم الأحيان، حول تقدم مزعوم مع الصندوق، في حين أن المسؤولين الدوليين ينتقدون أداء الحكومة المتباطئ في إعداد خطة التعافي الإقتصادي، والخطوات الإصلاحية المطلوبة، خاصة في قطاع الكهرباء، مما يعني أن لا تقدم قيد إنملة في المفاوضات مع الصندوق الدولي.

 

** هذا الإهمال غير المبرر للأزمة المتفاقمة مع الأشقاء الخليجيين، رغم أن لبنان يترأس الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية، يُجسد عدم قدرة الحكم والحكومة على إيجاد المخارج المناسبة للمشاكل المتراكمة مع المحيط العربي، والتوصل إلى حلول تُنهي المقاطعة العربية غير المسبوقة في تاريخ الديبلوماسية اللبنانية.

 

إقدام وزير الثقافة على كسر قرار مجلس الوزراء بهدم بقايا الإهراءات في مرفأ بيروت، دليل ساخن آخر على حالة التردي التي تعيشها حكومة تصريف الأعمال، والمسلسل الدرامي مستمر حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً!