إن إصرار حكومة الرئيس نجيب ميقاتي على الأخطاء سيؤدي إلى تأخير استعادة لبنان العافية الاقتصادية، وسنبين أسباب تقديرنا في مناقشة أضرار “الكابيتال كونترول” وتأخير بدء معالجة جدولة الدين العام، وأخيراً مخالفة جميع التوصيات الدولية بتحديث قطاع الكهرباء وإبعاده عن التحكم الحكومي الذي استمر بوزارة الطاقة لـ22 سنة وأدى إلى تبخر الاحتياطي النقدي لتمويل عجز الكهرباء وتمويل الصادرات للمشتقات إلى سوريا من دون تحصيل المردود على البيع لـ30-35% من مستوردات المشتقات في سوريا.
أخطاء إقرار مشروع الكابيتال كونترول أي ضبط التحويلات. معلوم أن تدفق التحويلات من اللبنانيين العاملين في الخارج كان العنصر الأساسي في تغطية عجز ميزان المدفوعات، وبسبب ارتفاع أسعار النفط الخام والغاز المسيل سترتفع مداخيل البلدان النفطية وسنتحمل فواتير لم يحتسبها وزير الطاقة الذي يتحدث عن تمويل من قبل البنك الدولي لاستيراد الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، ومعلوم أن أسعار الغاز الطبيعي ارتفعت 6 أضعاف خلال هذه السنة وكميات الاستيراد الممكنة وأكلافها عبر الاستجرار مروراً بالأردن وسوريا وينتظر الوزير العتيد قرار البنك الدولي من دون أن يحدد كميات الاستيراد وأكلافها.
الخطأ الكبير في سياسات الحكومة حصر مباحثات إنشاء معملين لإنتاج الكهرباء بوزير الطاقة الذي ليس هو خبيراً بشؤون الطاقة وقد سرح من عمله السابق لدى شركة مشورة عالمية بسبب عدم قدرته على تأمين الخدمات الاستشارية بكفاية وفعالية، فأتينا به للبنان لينوب عن الوزير باسيل في معالجة شؤون الطاقة.
لم نسمع من الوزير الجديد أي حديث عن خيار جيد لإنتاج الطاقة، ولم نسمع أنه تنبه إلى ضرورة صيانة معامل قائمة في مجرى الليطاني، ولم نسمع أنه أوصى بإنجاز حقل لإنتاج الكهرباء بالألواح الزجاجية، وهنالك مثال قام به ممثلو القطاع الخاص لتأمين الألواح الزجاجية التي تحفظ الطاقة لتأمين عمل إشارات السير الكهربائية.
المجتمع الدولي يريد من لبنان اعتماد الإنتاج الكهربائي من شركات اختصاصية كشركة سيمنز مثلاً التي أشار إليها وزير الطاقة السابق سيزار أبي خليل بأن معارفنا وقدراتنا على التطوير تفوق القدرات الألمانية.
يجب أن تعرف حكومة ميقاتي بأن تكليف وزير الطاقة الإشراف على مفاوضات إنجاز معملين وتأمين تمويلهما أمر يخالف توصيات الهيئات الدولية وهذا التكليف سيمنع صندوق النقد عن السير بتأمين الـ3 مليارات دولار كقرض لإنعاش الاقتصاد تتوافر على مدى 4 سنوات ولن تكفي بالتأكيد لإطلاق النمو.
نعود إلى برنامج ضبط التحويلات لنبين مساوئه لأنه سيؤدي إلى انتقاص تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج وقد ارتفع عدد هؤلاء 150 ألفاً من المقتدرين خلال السنتين المنصرمتين والحبل على الجرار مستمر. وبالتالي اللبنانيون المقيمون في الخارج سيعمدون إلى ضبط تحويلاتهم بحيث تكون نقدية لذويهم فيطلبون من عائلاتهم زيارتهم في مناطق عملهم وحمل التحويلات نقداً أو إيداعها في بنوك خارجية تستطيع تحويلها بواسطة شركات نقل العملات إلى مراكز توزيع في لبنان.
ومشروع ضبط التحويلات سيتعارض مع برامج إعانة لبنان وسيؤدي إلى اعتماد المبادلات إلى حد أكبر محل العملات الخارجية والتي ستتوافر من قبل برامج الإعانة، ولنأخذ مثلاً على ذلك.
التحويلات للجيش اللبناني تبلغ 300 مليون دولار سنويًا، ونفقات القوات الدولية لـ10 آلاف جندي تؤدي إلى إنفاق هؤلاء على الأقل 400 مليون دولار خاصة في الجنوب وهذين المبلغين وحدهما يبلغان تقريباً رقم الـ750 مليون دولار التي ستتوافر ربما من صندوق النقد إذا اقتنعت إدارته بكفاية التحسينات الإدارية على الطاقم الحاكم اليوم، وكيف لهذه القناعة أن تترسخ ووزير الطاقة مفوض بالتفاوض مع المؤسسات العاملة في مجال بناء مصانع إنتاج الكهرباء؟
نقرأ عن برامج مساعدات لدعم القطاع الصحي، والتعليمي وتغطية حاجات الفقراء للغذاء، على أن تتوافر هذه المساعدات مباشرة إلى المستفيدين، بكلام آخر تدفق هذه المساعدات سواء بالدولار أو اليورو سيكون عبر المؤسسات التي تؤسس من قبل المانحين. بكلام آخر التوزيع ينحصر بفئات ونشاطات معنية وستصبح معالجات الصحة، وأقساط المدارس، وحاجات الغذاء للفقراء خارج الدورة الاقتصادية، وستصبح مقوننة وستؤدي إلى اتكالية تناقض استهدافات تحفيز الإنتاج وبالتالي لن يكون هنالك اقتصاد متكامل متفاعل بل اقتصاد انتقائي قواعده العملات الاجنبية للدول المانحة، ولا شك ان البرنامج السعودي – الفرنسي سيوفر للبنان دولارات وربما مبالغ من اليورو خاصة اذا تكاملت المساعدات الاوروبية مع المساعدات الفرنسية.
الخطاء يستمر ونسمع عن إعادة إحياء القطاع المصرفي ربما بالإبقاء على 14 أو 15 مصرفاً كما يقول نائب رئيس مجلس الوزراء، وكأنه العارف بحاجات لبنان والتي ستعتمد في السنوات المقبلة على المساعدات إلى حد أبعد من برنامج الاستناد إلى معونة صندوق النقد الدولي.
إننا ندفع لبنان نحو الاعتماد على المعونات الخارجية وبالتالي الاعتماد إلى حد أكبر على توفير الأموال من مصادر تعتبر عملاتها مستقرة، وبالتالي نستبعد إلى حد كبير عودة الثقة بالعملة المحلية ونعتبر أن الحكومة غير قادرة على استيعاب المتغيرات. بالتأكيد هذه الحكومة غير قادرة وطالما تقدم حصر مفاوضات تطوير الكهرباء بوزير لن تستطيع حتى استقطاب معونة صندوق النقد.