يجهد الرئيس المكلّف ليُطلِق حكومته من قمقم الأزمات المتتالية والشروط التي يحاول فريق العهد و»حزب الله» أن يفرضاها عليه كلّ من الوجهة التي تناسبه. فالوزير باسيل يصرّ على وجوده في هذه الحكومة لأنّه متأمّل أن تكون حكومة رئاسيّة تدير الفراغ الرئاسي الذي سيشرف عليه حليفه «حزب الله». بينما الحزب يريدها حكومة تؤمّن له الغطاء المفاوضاتي ليبقى على الطاولة علّه يدخل السوق الجديدة. فهل سيستطيع لبنان أن يصمد في ظلّ هذه التجاذبات الدوليّة والإقليميّة؟ وما هو الدّور الممكن للمعارضات النيابيّة؟
صمود اللبنانيّين في هذه الفترة متعلّق بأترابهم المنتشرين الذين يزمعون زيارة أرضهم الأم. لكن التعويل على زيارة المنتشرين يبقى محفوفاً بالخطر الأمني الذي ممكن أن يزهق الآمال كلّها في لحظة «لو كنت أعلم» جديدة. لكنّ «حزب الله» بات اليوم أمام أمر واقع إقليميّ جديد حتّم عليه تقديم التنازلات أمام ما بات شبه مؤكّد وهو قيام حلف ناتو عربي تقوده المملكة العربيّة السعوديّة، بعد أن نجح وليّ العهد محمّد بن سلمان بفرض وجوده على الإدارة الديمقراطيّة الأميركيّة التي كانت رافضة لهذا الوجود.
وأمام الحاجة لنفط العرب وغاز شرقي المتوسّط بعد الحرب الأوكرانيّة-الروسيّة باتت خريطة الشرق الأوسط الجديد أكثر واقعيّة. فالمشروع الذي طرحته وزيرة الخارجية الأميركيّة كوندوليزا رايس في العام 2006 في الأيّام الأولى للحرب الإسرائيليّة على لبنان قد دخل حيّز التنفيذ اليوم. فما لم تستطع إدارة بوش تحقيقه بالحرب قد حقّقته الإدارة الديمقراطيّة بالديبلوماسيّة الناعمة.
كذلك لا يمكن إغفال ما أعلنه المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية «نيد برايس» أنّ كبير مستشاري أمن الطاقة آموس هوكستين، أجرى محادثات الأسبوع الماضي مع الإسرائيليين حول ترسيم الحدود البحرية وأفضت الى نتائج مثمرة تقلّص الخلافات بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي، على أن تبقى الولايات المتحدة الأميركية منخرطة في مباحثات ترسيم الحدود في الأيام والأسابيع المقبلة».
أمام هذه الوقائع والتطوّرات كلّها يجب عدم الإغفال بأنّ أولويّة الرئيس ميقاتي في هذه المرحلة هي إثبات حيثيّته السنية قبل أيّ اعتبار آخر، لترسيخ نفسه كمرجعية سنيّة بعد غياب المرجعية الحريرية.
من هنا، تبدو مقوّمات الصمود اللبنانية ضئيلة جدّاً، وهي تتضاءل أكثر كلّما نجح محور الإحتلال الإيراني بإضاعة المزيد من الفرص لتحسين شروطه وشروط حلفائه. لقد أثبت هؤلاء بالتجربة الدامغة عدم مسؤوليّتهم الوطنية، وإيلاءهم مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة الوطنية. ولذلك تمّ رفضهم في 15 أيّار ديمقراطيّاً.
والمسؤولية الأكبر اليوم مُلقاة على عاتق المعارضات التي أفرزتها انتخابات 15 أيار. إمّا أن تتكتّل في جبهة دستوريّة صلبة لتنجح باستعادة رئاسة الجمهورية وبالتالي الجمهورية، وإمّا أن تسقط في فخّ الحسابات الشخصيّة كما سقطت في التجارب السابقة. مع الإشارة إلى أنّه لا يمكن بعد اليوم لهذه القوى أن تتعاطى بعضها مع بعض على قاعدة الإخضاع، لأنّ الحاجة هي لجميع أطرافها. فالحكمة تقتضي تطبيق القاعدة الآتية: «إنْ أردْتُمُ الوصولَ بسرعَةٍ اذهبوا فرادَةً؛ أمّا إنْ أردتُمُ الوصولَ إلى أهدافٍ بعيدةٍ فاذهبوا معاً».
وما لم يقتنع بعض هؤلاء، لا سيّما حديثو الولادة السياسيّة بأنّ لبنان الجديد لن يكون جزءاً من محور مقاومة أدّى إلى عزلته وفشله وانهياره، وأنّ مهادنة هذا المحور هي خطيئة لن يغفرها التاريخ لهم، سيكون سقوطهم مدوّياً. ويجب أن تتكوّن قناعة لديهم بأنّ لبنان الجديد هو في صلب الشرق الأوسط الجديد، لا بل سيكون الرقم الصعب فيه. ومَن له أذنانِ للسماع… فليسمع !