تشكل رئاسة الحكومة بعد الطائف المساحة الأكثر حيوية في الحياة السياسية بما هي السلطة الوحيدة غير المستقرة والقابلة للتغيير امام التحديات السياسية والاقتصادية الاجتماعية، وهي معرضة دائما للسقوط عبر استقالة رئيسها او عند استقالة الثلث زائد واحد من اعضائها او سحب الثقة البرلمانية، ورئاسة الحكومة هي نقطة التقاطع والتواصل السياسية الوحيدة التي تتمحور حولها ومعها وضدها كل المكونات السلطوية التشريعية والتنفيذية والاقتصادية والمهنية والاعلامية، وهذا ما يجعل من رئاسة الحكومة قيمة وطنية ديموقراطية استثنائية والمتنفس السياسي الوحيد لكافة المكونات الطائفية والحزبية والمدنية المستحدثة .
الوظيفة المركبة والمعقدة لرئاسة الحكومة في لبنان تحتاج على الدوام الى رئيس حكومة بمواصفات استثنائية، وهذا ما ادركه عموم اللبنانيين مع اقصاء الرئيس رفيق الحريري بعد العبث بالاستشارات النيابية الملزمة عام ٩٨، والتي أظهرت هشاشة مقولة التوازن بين السلطات بعد الطائف، وبينت ان ما اعطي لرئاسة الحكومة هو مجرد اعباء اجرائية في السلطة التنفيذية، وان رئاسة الحكومة هي السلطة الوحيدة الخاضعة للمسائلة والمحاسبة والتغيير، وتيقن الجميع بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري اهمية شخص رئيس الحكومة حين اتضح ما كان ملتبس خلال سنوات ما بعد الطائف وهو ان اهمية رئاسة الحكومة مرتبطة باهمية شخص رئيس الحكومة وليس بحجم ما اعطي لرئاسة الحكومة من صلاحيات وهمية غير محصنة، ومع تشكيل حكومة ما بعد ١٧ تشرين ادرك ايضا عموم اللبنانيين ان رئاسة الحكومة ليست مجرد وظيفة عابرة يتولاها ذلك السيل من الواهمين والطامحين الى التمتع بالسلطة من ابناء الطائفة السنية الكريمة بعد ان تحولت السراي الحكومي الى مجرد عقار بارد وخاوٍ بعد ان استلبت اسراره واستبيحت خصوصيته.
الرئيس المكلف نجيب ميقاتي اختار ان تكون اطلالته التلفزيونية الاولى مع الاعلامي الاول الاستاذ مرسيل غانم في برنامج (صار الوقت على شاشة ام تي ڤي) عشية التحضيرات لاحياء ٤ اب ، واستطاع الاعلامي العريق جورج غانم الحريص على احترام عقول المشاهدين، وهو احد القلة الباقية من اللبنانيين القادرين على تحديد اللحظة الوطنية السياسية وتقاطعاتها وتداخلاتها الاقليمية والدولية، حيث نجح جورج غانم في مقدمة الحلقة التعريف بدقة بالرئيس ميقاتي وفي تحديد المحطات الاستثنائية التي تولى فيها رئاسة الحكومة الاولى بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ٢٠٠٥ وتداخلاتها الاقليمية والدولية، وفي المرة الثانية مع انطلاقة تحولات الربيع العربي وتحالفاته حيث كلف في ٢٥ يناير ٢٠١١ يوم ميدان التحرير في القاهرة.
استطاع الاستاذ جورج غانم تحديد اللحظة السياسية وتزامن تكليف الرئيس ميقاتي مع الانسحاب الاميركي من افغانستان وايقاف العمليات العسكرية في العراق وعشية الذكرى السنوية الاولى لتفجيرات ٤ اب والتحولات العميقة في كل دول المنطقة العربية والاقليمية ومع انطلاقة موجة ربيع جديدة وملتبسة من تونس، وشرح الاعلامي العريق بدقة متناهية ماهية رئاسة الحكومة وتحدياتها الظرفية والاستراتيجية، وعرف ايضا كيف يقدم التحديات الاستراتيجية لحكومة الرئيس ميقاتي القادمة عندما توجه الى دولته بالسؤال حول طبيعة مهمة الحكومة العتيدة وهل هي مهمة انتقالية ام مهمة تأسيسية، معتبرا ان طبيعة المرحلة الحالية تشبه ظروف حكومة الرئيس رفيق الحريري الاولى بعد انهيارات ٩٢، وربما اراد جورج غانم بسؤاله ان يقول الى الرئيس ميقاتي (صار الوقت ) للتوقف عن عمليات اعادة تكوين السلطة والشروع في استكمال بناء الدولة الوطنية الديموقراطية وإطلاق ورشة الحوار الوطني حول النهوض والانتظام والاستقرار .