لم تصمد التشكيلة الوزارية الأولى التي رفعها الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي الى رئيس الجمهورية ميشال عون، غداة انتهاء الاستشارات النيابية غبر الملزمة، وألأرجح انّها مجرد محاولة أولية، في حقل تجارب وتجاذب تمتد مساحته بين القصر والسرايا.
سواء «شاطت» الطبخة الحكومية تحت وطأة التسريب المتعمّد او المضمون الخلافي او كلاهما معاً، فإنّ الثابت انّ التشكيلة المرفوعة لم تنجح في «امتحان الدخول» إلى قصر بعبدا، في انتظار الدورة الثانية.
ولعلّ أهم ما تعكسه المسودة الوزارية، هو انّ ميقاتي يفاوض من موقع القوة هذه المرة، متسلّحاً بورقتين أساسيتين: الأولى هي انّه يجمع بين التكليف والتصريف، وبالتالي إذا لم يتمكن من تشكيل حكومة تتناسب مع المعايير التي وضعها، فلا بأس في بقاء حكومة تصريف الأعمال برئاسته، لتقطيع الأشهر الأربعة الفاصلة عن موعد الاستحقاق الرئاسي، خصوصاً انّ توازناتها تناسبه. والثانية، اقتناعه بأنّ لا مبرّر او مصلحة لتقديم تنازلات وتسهيلات إلى عهد يوضّب حقائب الرحيل، بينما هو باقٍ، سواء عبر ملء الفراغ في حال تعذّر إجراء الانتخابات الرئاسية او من خلال التعاون المحتمل مع العهد الجديد.
وفي المقابل، فإنّ ما لم يتنازل عنه عون خلال 5 سنوات و8 أشهر لن يمنحه في الأشهر الأربعة الاخيرة من ولايته، وهو لن يسمح لميقاتي باستضعافه او إمساكه من اليد التي توجعه، ولن يعطيه فرصة ان يحقق ما عجز عنه سعد الحربري عندما كان رئيس أكبر كتلة نيابية في طائفته والمجلس.
«انّها تشكيلة مفصّلة على قياس ميقاتي حصراً، وهي تؤشر إلى استخفاف تام بوضع اليد من جهة وبقواعد التشكيل السليم من جهة أخرى». هذا ما يقوله قيادي في «التيار الوطني الحر» تعليقاً على التصور الحكومي الذي سلّمه الرئيس المكلّف الى رئيس الجمهورية.
ويضيف القيادي، البرتقالي الانتماء: «انّ ميقاتي كان يعلم في قرارة نفسه انّ عون لا يمكنه أن يقبل تشكيلته الهجينة، ولكنه رفعها فقط من باب ان يوحي بأنّه أدّى قسطه للعلى وانّ الكرة أصبحت في ملعب عون، وذلك في محاولة للتشاطر وإحراج الرئيس والتيار».
ووفق تقديرات القيادي، أراد ميقاتي من خلال استبدال وزير الطاقة الحالي وليد فياض بشخص آخر هو وليد سنو، استفزاز عون والتيار، واستدراجهما إلى رفض التشكيلة لهذا السبب على نحو أساسي، وبالتالي إظهارهما امام اللبنانيين بمظهر من يتحمّل مسؤولية عرقلة ولادة الحكومة نتيجة تمسكهما بالاستحواذ على حقيبة الطاقة، في وقت يستمر البلد في الانهيار والتحلل.
ويؤكّد القيادي، البرتقالي الهوية، انّ التيار لم يعد متمسّكاً بـ»الطاقة»، وما صرّح به النائب آلان عون في هذا السياق يعكس موقف قيادة التيار وليس اجتهاداً شخصياً، «لكن المطلوب في الوقت نفسه ان تكون هناك مداورة في الحقائب الأخرى من دون أي احتكارات، وان يتمّ اعتماد معايير موحّدة في التشكيل بعيداً من الاستنسابية التي تحكّمت بالطرح المرفوع من ميقاتي الى عون».
ويلفت القيادي في التيار، الى انّ من «غرائب التشكيلة المقترحة انّ ميقاتي لجأ الى استبدال وزير المال يوسف خليل بشخص أكثر وضوحاً في انتمائه السياسي الصريح وهو ياسين جابر. وعمد كذلك الى إعطاء جورج بوشكيان حقيبة الاقتصاد بدل الصناعة، علماً انّ بوشكيان خاض الانتخابات وفاز بمقعد نيابي عن حزب الطاشناق، اي انّه أصبح يُصنّف كشخصية حزبية، في حين انّ ميقاتي يوحي ظاهرياً بأنّه يريد حكومة تكنوقراط لا وجود للسياسيين والحزبيين في صفوفها».
ووفقاً للقيادي، من الضروري ان تكون هوية الحكومة المفترضة واضحة، «فإما انّها تكنوقراط، وتشمل هذه القاعدة الجميع، وإما انّها سياسية ويسري ذلك على اختيارات الجميع. أما ان يؤتى بوزراء حزبيين لإرضاء بعض القوى وتوضع قيود على قوى أخرى فهذه استنسابية مرفوضة».
ويتابع القيادي تشريح الخلل قائلاً: «إذا كان ميقاتي قد استبعد وزير المهجرين عصام شرف الدين عن لائحته الحكومية، لأنّ «الحزب الديموقراطي» برئاسة طلال أرسلان خسر الانتخابات النيابية، فلماذا لا يعمّم هذا المعيار ويشكّل حكومته ككل، استناداً الى قاعدة احترام نتائج العملية الانتخابية وتسييلها في وعاء الأحجام والأسماء؟ «الّا إذا كان المطلوب انو تطلع القصة براس المير لوحدو».
ويعتبر القيادي في التيار، أنّ افضل مقاربة هي التي تنطلق من محاكاة نتائج الانتخابات في التشكيل، متسائلاً: «ما نفع الانتخابات النيابية، وأي جدوى لها إذا كانت حصيلتها لن تؤخذ في الاعتبار عند تأليف اول حكومة بعد إجرائها؟».
ويشير إلى انّ «الأفضل من حيث المبدأ تدعيم الحكومة الجديدة ببعض الوزراء المسيّسين، لتعزيز مناعتها وقدرتها في مواجهة الملفات والتحدّيات الصعبة»، الّا انّه نفى ان يكون التيار قد اقترح تعيين 6 وزراء دولة سياسيين، لافتاً الى انّ ميقاتي هو الذي سبق له ان طرح هذه الفكرة أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية (تصريف الأعمال).
ولئن كان التيار يحبّذ حكومة حاصلة على «لقاح سياسي» مستمد من صناديق الاقتراع، الّا انّ القيادي نفسه يؤكّد عدم الاصرار على المشاركة، «وما يهمّنا بشكل أساسي اتباع مقاييس واحدة في أي صيغةَ وزارية، سواء كنا ممثلين أم لا».