IMLebanon

لو قال: هذه هي حكومتي

 

 

هبَط عليه الكلام كالوحي في الليل، وهو يعلم أنّ كلام الليل يمحوهُ النهار…

وكتَبها بخـطِّ يـدهِ لا بخـطِّ الدكتلو حتى لا يُقال إنّها صنيعة دوائر المخابرات.

هو أرادها.. ولم تعُدْ وظيفةً حكوميةً بقدر ما هي مغامرةٌ في مستوى المستحيل، لا مجال فيها بعدُ للتجارب اليائسة، والظرف لا يحتمل تدويرَ الزوايا، بـل يجب أنْ يكون الحجرُ الذي نبـذَهُ البنَّاؤون رأساً للزاوية.

بعد تكليفه تأليف الحكومة، وفي كلمة موجزة ألقاها الرئيس نجيب ميقاتي في القصر الجمهوري، تكرَّرت على لسانه كلمة الإنقاذ ثماني مرات.

والباحثون في تحليل النصوص يستخلصون الإتجاه الفكري لصاحب النصّ من خلال التفرّد باستعمال مفردات مكرّرة لا يستعملها سواه ليتبيَّنوا مـدى تجاوُب الخُطبةِ السياسية مع صدقّية أصحابها.

الإنقاذ يستهول أن تستمرّ معه المسرحيات القاتلة… وفي الوطن المدمَّـى لم يعُـد الهروب من المسؤولية حقَّـاً ديمقراطياً، ولم يعُـد التسبّب بالفراغ حقَّـاً دستورياً بل أصبح كلاهما نوعاً من الخيانة.

بهذا النوع من الدجَلِ الوطني لا يتحقّق الإنقاذ..

ولا بهذه السياسة التي يصفها الكاتب الإنكليزي «جورج أورويل» «بأنها جبلٌ من الأكاذيب: هروب، كراهية، إنفصامٌ في الشخصية وجنون..»

إبـن المقفَّع، «لـمْ يجـد مثلاً أعلى عند الخلفاء والولاة والأمراء بل رآه عند بعض جماعات لم يتسلّموا الحكم».

في لبنان جماعات نوابغ، وطاقات طالما كانت مُطاردةً باسم السلطة.

وخارج لبنان روّادٌ يستشرفون في المهاجر آفاقـاً أُغلِقَتْ عليهم أبوابُها في بلادهم، فأدهشوا العالم في بلاد العالم.

والحكومة الفرنسية الحالية اختارت اللبنانية «ريما عبد الملك» وزيرة للثقافة في إحدى كبريات عواصم الثقافة في العالم.

ونحن، لا نـزال نفتقر إلى مادة الثقافة ومادة الذكاء في ممارسة الحكم.. نتشبَّهُ بفنزويلا ، وفي فنزويلا – كراكاس تـمَّ سنة 1980 تعيين «ألبيرتو لوي ماشادو» وزير دولة لتطوير الذكاء.

وهل تصحّ فينا بعدُ، بـدْعةُ ألبيولوجي الأميركي «هرمان موللر» الذي أعلن عن إنشاء بنك لتخصيب النساء بذكوريَّة الأذكياء من الرجال…؟

لا، يا سادة: لبنان أكبر مـنْ أنْ يسير في ركاب التاريخ، إنّـه التاريخ…

وفي التاريخ ساعات حاسمة تقـف الشعوب فيها على مفارق مصيرية مظلمة وهي تـتوقُ إلى منقـذٍ يتلمَّس السبيلَ إلى الخلاص.

لو شاء رئيس الحكومة المكلّف أنْ يتلمَّس سُبُـلَ الإنقاذ، لما كانت التشكيلة الحكومية على شاكلة الحكومات التي يتوقّف الإنقاذ على إنقاذ نفسه منها، بل كان خاضَ مغامرةً ثورية إنقاذية، حتى ولو كان مكرَهاً لا بطلاً، مع أنْ تحقيق الرغائب بالإكراه هو أيضاً بطولة.

ولو شاء الرئيس المكلّف أنْ يستشيرَ روحياً ربَّهُ، وأن يستشيرَ وطنياً مصير وطنه، وأن يستشير ضميرياً إرادة شعبه قبل استشارة النواب، لكان أقدم على تأليف حكومةٍ من المتفوّقين في لبنان، ومن المبدعين في دول الإنتشار: هذه هي حكومتي.

حكومة من هذا النوع تُرهبُ مَـنْ يفرض الشروط ومَـنْ يتذرَّع بالميثاقية والإستزادة من التشاور والدرس، وتقمع مَـنْ يتجرّأ على رفضها.

فإنْ رفض رئيس القصر توقيع المراسيم، فليتحمّل مسؤولية عقاب التاريخ.

وإنْ رفضَ المجلس النيابي منحَ الثقة، فليتحمّل الذنب ومسؤولية عقاب الشعب.

وإلاّ.. فمتى يكتب تاريخ لبنان إسم رجلٍ منقـذ، لم تلـدْهُ الجواري حراماً في بلاط السلاطين.