تحوّلت تجربة حكومة الرئيس تمّام سلام (2014 – 2016)، خصوصاً توليها صلاحيات رئيس الجمهورية بانتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، «فزاعة» يدقّ اكثر من طرف نفير الخشية من تكرارها
مع ان الرئيس تمّام سلام طال تكليفه تأليف الحكومة اكثر من 10 اشهر، ولم يُتَح صدور مراسيمها الا في الاشهر الثلاثة الاخيرة في ولاية الرئيس السابق للجمهورية، الا انها تحوّلت الى أنموذج: لانها اولاً حكومة وحدة وطنية وإن بـ24 وزيراً، ولأنها لم تقتصر ثانياً على فريق واحد برّرت مناكفاتها ونزاعاتها وانقساماتها، ولأنها ثالثاً رافقت – حتى الآن على الاقل – اطول شغور رئاسي خبره لبنان المستقل، ولأنها رابعاً ابتكرت بنفسها ولنفسها اجراءات مكّنتها من الاستمرار في الحكم مقدار ما استطاعت، ولأنها خامساً من جراء تجربتها تلك غدت اجراءاتها اقرب ما تكون الى اعراف وتقاليد صالحة للاقتداء بها ما دام لا نصّ في الدستور والقانون يرعاها.
احتاج سلام الى الاجراءات تلك، وكانت اقرب الى ترتيبات شفوية، على مضض من اجل امرار المرحلة الغامضة وتفادي انفجار حكومته من الداخل. مما فيها، وقد فُسِّر بعضها خلافاً لما رمى اليه، ان امتناع مكوّنين اساسيين عن الموافقة على قرار يحمل مجلس الوزراء على صرف النظر عنه، كذلك الامر عند غيابهما، تفادياً للقول إن تغيّب طائفة يعطل القرارات. حافظت على القاعدة المنصوص عليها في المادة 65 من الدستور بافتتاح جلساتها بثلثي الاعضاء، وان غاب الوزراء الآخرون، وليس حتمياً ان يحضر الوزراء الـ24. غالبية قراراتها وقّعها الوزراء جميعاً، الا ان بينها ما لم يمهرها الوزراء الـ24، ولم تكن ثمة حاجة الى ان يفعلوا. ذلك كله لم يحل دون تعطيل جلساتها بسبب امتناع افرقاء عن الحضور من جراء عدم التوافق على قرار ما. لم تكن، منذ اتفاق الطائف، الحكومة الوحيدة التي حكمت البلاد وفق المادة 62 بانتهاء ولاية رئيس الجمهورية. سبقتها الى التجربة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بين 23 تشرين الثاني 2007 و25 ايار 2008.
في خطابه الاخير حذر رئيس مجلس النواب نبيه برّي من تكرار ما رافق حكومة سلام، في معرض رفضه توسيع حكومة تصريف الاعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي. أبرَزَ رفضه انضمام ستة وزراء سياسيين اليها على نحو اقتراح رئيس الجمهورية ميشال عون، وذكّر بما شاع حينذاك والاجتهاد في تفسير المادة 62 متى تتولى حكومة صلاحيات رئيس الجمهورية، ان كل وزير فيها هو جزء من رئيس الجمهورية. الوزراء الـ24 جميعاً يصبحون، بجمع الاجزاء هذه، رئيس الجمهورية الشاغر المنصب. ذلك ما درجت عليه الخلافات في حكومة سلام، وراح كل وزير، في هذا الفريق او ذاك، كلما حرد او زعل، أشهر سيف المادة 62 على انه «شقفة» من رئيس، فلا يصدر مرسوم لا يوقعه هو.
عندما بدأت اولى ملامح الخلافات في حكومته، واجتماعاتها كمجلس وزراء حلت فيه صلاحيات رئيس الجمهورية، دعا سلام الى اجتماع مسائي في السرايا برئاسته، بعيد من الاضواء، ضم وزيرين في حكومته هذه هما بطرس حرب ورمزي جريج ووزيرين سابقين قاضيين هما جوزف شاوول وخالد قباني. اول المتحدثين في الاجتماع، كان حرب الذي فضّل الاصغاء الى قباني يروي تجربة حكومة السنيورة – وكان وزيراً فيها – في الشغور الذي تلى انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود. جواب قباني ان التجربة تلك لا يُعوَّل عليها، كونها مثّلت فريقاً واحداً هو قوى 14 آذار بعد استقالة الوزراء الشيعة منها، ما لا يتيح قياس اجراءاتها الاستثنائية وطريقة ادارتها السلطة، مستقاة حينذاك من واقعها ذاك. ثالث المتحدثين شاوول – وزير العدل سابقاً ورئيس مجلس شورى الدولة قبلاً – كاشفاً ان لا حاجة الى الاجتهاد في تفسير صلاحيات مجلس وزراء متولٍ اختصاصات رئيس الجمهورية عملاً بالمادة 62.
مجلس الوزراء يحل في كل صلاحيات رئيس الجمهورية ما ان يتولاها
أطلع شاوول الحاضرين على قرار لمجلس شورى الدولة، عندما كان لا يزال رئيسه، رقمه 74 صدر في 16 تشرين الثاني 1995 في مراجعة اللواء منير مرعي ضد الدولة اللبنانية (مجلس الوزراء ووزارة الدفاع)، طالباً ابطال قرار اتخذه مجلس الوزراء (حكومة الرئيس سليم الحص بعد اطاحة العماد ميشال عون) وما نجم عنه من قرارات ادارية من بينها مذكرة قائد الجيش العماد اميل لحود باخفاض رتبته من لواء الى عميد، واعادة الاعتبار الى الرتبة تلك التي حازها ابان وجود عون على رأس الحكومة العسكرية. في حصيلة قرار المجلس الذي اعده المقرر، وهو رئيسه، رد المراجعة.
تلك المراجعة، في اجتماع السرايا، شكلت قواعد متفقاً عليها على ادارة مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية. بيد ان الخلافات السياسية في مجلس الوزراء، معطوفة على حالات نزق وحرد وانفعال خرجت عليها. حيل دون التئام مجلس الوزراء، وصار الى تعطيل عمله بسبب رفض وزراء توقيع قراراته، راح حلفاء لهم يعضدونهم في الموقف السلبي هذا.
في ما خلص قرار مجلس الشورى:
1 – حلول حكومة في صلاحيات رئيس الجمهورية يمكّنها من ممارستها كاملة، على ان يوقع رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص او الوزراء المختصون على المراسيم، دون سائر الوزراء غير المعنيين بها. بشغور الرئاسة الاولى، ولأن الحكومة حلت في صلاحياتها، فإن رئيسها هو الذي يوقع نيابة عن رئيس الجمهورية ومعه الوزير او الوزراء المختصون.
2 – مجلس الوزراء وفق احكام المادة 62 ليس مدعواً الى ممارسة السلطة الاجرائية على نحو مستمر، بل الى ممارستها فترة قصيرة من الزمن لأن السلطة المنوطة به وكالة.
3 – يستفاد من احكام المادة 62، قبل تعديلها بالقانون الدستوري عام 1990 وبعده، ان «صلاحيات السلطة الاجرائية» او «صلاحيات رئيس الجمهورية» تمارس جماعياً من مجلس الوزراء. وفي استطاعة مجلس الوزراء المنوطة به السلطة الاجرائية او صلاحيات رئيس الجمهورية، بعد التعديل الدستوري، ان يمارس من دون اي قيد جميع الصلاحيات التي تمارسها دستورياً السلطة الاجرائية، اي رئيس الجمهورية.
4 – المراسيم التي تصدر عن مجلس الوزراء المنوطة به موقتاً صلاحيات السلطة الاجرائية او صلاحيات رئيس الجمهورية، يجب ان تصدر بعد موافقته، وان تحمل على الاقل اضافة الى توقيع رئيس مجلس الوزراء توقيع الوزير المختص او الوزراء المختصين، كما لو ان المرسوم صادر عن رئيس الجمهورية عملاً بصراحة احكام المادة 54 من الدستور. وان عبارة «موافقة مجلس الوزراء» كأحد الاصول الجوهرية التي يفرضها الدستور، لا تعفي مطلقاً من عدم تقيّد المرسوم بالاصول الجوهرية الاخرى التي يفرضها الدستور ايضاً بالنسبة الى كل مقررات رئيس الجمهورية، وبالاحرى المراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء المنوطة به ممارسة السلطة الاجرائية.
5 – اعطى العلم والاجتهاد الوزير المختص التوقيع على اعتبار انه عندما يكون لرئيس مجلس الوزراء اي اختصاص في القرارات التي يتخذها رئيس الجمهورية – ام في هذه الحالة مجلس الوزراء مجتمعاً – فإن رئيس مجلس الوزراء بتوقيعه المألوف الاول بذيل عبارة «صدر عن رئيس الجمهورية» او «صدر عن مجلس الوزراء» في الحالة الحاضرة، يكون قد عرّف عن توقيع رئيس الجمهورية.
6 ـ توقيع المرسوم من الوزير المختص هو الطريقة الدستورية التي بموجبها يتولى ادارة مصالح الدولة وتطبيق الانظمة والقوانين في ادارته. توقيع الوزير المختص ليس امراً شكلياً لازماً فحسب، بل هو من المقومات الجوهرية لتكوين المرسوم الصادر لتعلقه بالصلاحية.