يواظب رئيس الجمهورية ميشال عون على توجيه رسائل التهديد السياسي، المُبهمة، حول خيارات من خارج السياق، قد يلجأ إليها في حال سدّت منافذ التأليف وبقيت حكومة تصريف الأعمال صامدة أمام رياح التغيير. ويقول: «آمل في ليل 31 تشرين الاول أن يكون كل شيء طبيعياً كي أعود الى بيتي باطمئنان». وسبق له أن أشار إلى أن «حكومة تصريف الأعمال غير مؤهلة لتسلّم صلاحياتي بعد انتهاء ولايتي، وانا اعتبر انها لا تملك الشرعية الوطنية للحلول مكان رئيس الجمهورية، ولذلك ما لم يُنتخب رئيس للجمهورية أو تتألف حكومة قبل 31 تشرين الأول المقبل، وإذا أصرّوا على ان «يزركوني»، فإنّ هناك علامة استفهام تحيط بخطوتي التالية وبالقرار الذي سأتخذه عندها».
لم يفصح رئيس الجمهورية عن طبيعة هذه الخطوات ويترك ورقتها مستورة إلى حين نضوج ظروفها. لكنه يتعمّد ممارسة لعبة الضغط المكثّف خلال المهلة المتبقية من عمر العهد، وهي التي قاربت حوالى الـ45 يوماً… لتحقيق الأهداف المرسومة في ذهنه.
يقول المعنيون إنّ الرئيس عون يتصرّف على قاعدة الرابح – الرابح. بمعنى أنّه بات في آخر أيام ولايته، وقد تفنّن الخصوم في محاصرة عهده وضربه، وبالتالي لا خسائر جدية قد تضاف إلى رصيده، ولهذا هو قرر اللعب على الحافة، لوضع كل أوراقه دفعة واحدة على الطاولة، «صولد». فإمّا يحصّل آخر حكومات العهد لتكون وفق مواصفاته، وإما الفوضى.
فعلياً، هي ليست الفوضى الدستورية التي سيلجأ إليها رئيس الجمهورية قبل رحيله. فكلّ السيناريوات المتخيّلة من جانب البعض، كاستعادة مشهدية العام 1988 وما تلاها من اشكالات، ليست بوارد التكرار، ولو على شاكلة حكومة انتقالية أو تسليم الحكم للمجلس الدستوري أو للجيش. ولكنّه بالتأكيد، يسعى إلى فوضى سياسية تساعده على إرباك الجميع.
وفق هؤلاء، فإنّ الفريق العوني سيلجأ بطبيعة الحال إلى الشارع ليعيد شدّ عصب جمهوره، وسيوظّف الخطاب المذهبي بوجه خصومه خصوصاً اذا صار المكوّن المسيحي خارج السلطة التنفيذية. والأرجح أنّ هذا الخطاب سيلقى ردود فعل مؤيدة من جانب المسيحيين خصوصاً وأنّ خصوم «التيار» المسيحيين لن يكون بمقدورهم التصويب على هذا الخطاب أو التقليل من شأنه أو تجويفه، لا بل قد تقود المزايدة إلى حدّ صبّ الزيت على النار، فيجرّهم العونيون إلى ملعبهم، لا العكس.
إلى جانب الضغط السياسي، سيسعى العونيون إلى شلّ عمل حكومة تصريف الأعمال على نحو نهائي من خلال دفع بعض الوزراء المقرّبين منهم، إلى الاعتكاف الشامل عن العمل الوزاري، للطعن سياسياً، بكلّ أعمال الحكومة. أضف إلى ذلك احتمال مقاطعة مجلس النواب وجرّ بقية المسيحيين إلى هذا الموقف الاعتراضي تحت عنوان عزل المسيحيين. وقد تكون مقاطعة جلسة مناقشة الموازنة أمس، بمثابة «بروفا» أولية تنتظر البرلمان في حال الاشتباك السياسي. بالنتيجة، يريده الرئيس عون، شللاً تاماً.
والأرجح أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بات يدرك هذه الاحتمالات، وهو لذلك قرر تحريك مولّدات التأليف من جديد خصوصاً وأنّ بعض الأطراف ومنهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يضغط باتجاه تفعيل المشاورات والدفع باتجاه تشكيل حكومة جديدة، ولو أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري وضع خطاً أحمر تحت احتمال توسيع الحكومة لتضمّ وزراء سياسيين، وهو شرط الفريق العوني الأساسي، لوضع توقيع رئيس الجمهورية على مراسيم التأليف.
لكن معادلة التأليف باتت محكومة بسقف محدد وضعه الرئيس عون: إمّا توسيعها لتضمّ وزراء مسيحيين، وإما لا تأليف. ومن بعد عهده الطوفان!
خلال الساعات المقبلة، سيوضّب ميقاتي حقائبه لبدء رحلة خارجية ستقوده إلى نيويورك حيث يفترض أن يعقد سلسلة لقاءات مع مسؤولين غربيين، يعتقد أنّها ستجدد غطاءه الغربي لتجعل منه رقماً صعباً، ويحسّن موقعه التفاوضي بوجه الفريق العوني. وقد يستعد بعد عودته إلى تجديد موعده في قصر بعبدا في محاولة لابرام تفاهم مع رئيس الجمهورية عسى الحكومة تولد قبل أيام من انتهاء العهد. النيّة قد تكون قائمة لدى رئيس الحكومة المكلف لكنه يخشى المبادرة بحجة أنّه في حال أقدم على أي تنازل قد يريح الفريق العوني، فما الذي يمنع من أن يجرّ سلسلة مطالب اضافية، فيكون التنازل مجانياً وفتح باب الاعتراض عليه؟