…وأخيراً أصدر أمين عام «حزب الله» التوجيهات اللازمة لترميم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة. بدا ذلك في تصريح الرئيس المكلَّف من بعبدا، قبل مغادرة القصر الجمهوري متوجهاً إلى لندن ونيويورك؛ بحيث تعهد بتشكيل الحكومة فور عودته، وبأنه لن يغادر القصر بعد تلك العودة، قبل تشكيل الحكومة الجديدة. «شو عدا ما بدا يا سيد حسن».
بعد استقالة حكومة ميقاتي، كنتيجة حتمية لانتخاب مجلس نيابي جديد، رأى رئيس الجمهورية وفريقه السياسي أن الفرصة مؤاتية لتشكيل حكومة جديدة في نهاية عهده، يتمكن بواسطتها من إجراء تعيينات جديدة في الإدارة، تسمح لفريقه «العوني» بالإنتقام من كبار الموظفين الذين رفضوا الخضوع لابتزازاته، وتأمين السيطرة على المفاصل الإدارية للدولة، وعلى رأسها حاكمية مصرف لبنان. بينما كان هدف الحزب، العمل على تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية من فريق الممانعة، كمخطط أساسي، يؤمّن التغطية للحزب وسلاحه للسنوات الست المقبلة، بينما تشكيل حكومة لأشهر قليلة، لن تستأهل عناء الإصرار الذي قد يقود إلى الفشل (كما هو حاصل حاليّاً)، بسبب تعنُّت بعض الفرقاء. لكن بعدما تبين للحزب صعوبة تسويق رئيس من فريق الممانعة، انتقل نصرالله إلى تطبيق الخطة البديلة.
تتجاذب مواقف أمين عام «حزب الله» ثلاث مسلَّمات: أولاً صعوبة تسويق باسيل، ثانياً عدم خسارة باسيل، وأخيراً تمديد عمل المنظومة بعد الشغور في الرئاسة الأولى، الذي بات شبه مؤكَّد بانتظار فرصة إقليمية قد تسمح له بفرض شروطه على بقية الفرقاء.
بالمقابل، يخضع تسويق فرنجية لثلاث معوقات: موقف «اللقاء الديمقراطي» الذي أعرب عنه وليد جنبلاط بصعوبة السير بسليمان فرنجيه، موقف «التيار الوطني الحر» الذي أوضحه باسيل باستحالة تأييد فرنجيه، لأن رئيس التيار، هو صاحب الحق بالرئاسة كما يدعي، بسبب حجم تمثيله وحجم تغطيته لسلاح الحزب وكأنه بذلك يعترف ويقر بأن سلاحه غير شرعي.
وأخيراً موقف بعض المعارضات التي ترفض بشكل حاسم، الموافقة على رئيس من 8 آذار. طبعاً لا يوجد في السياسة شيء مستحيل، إنما قد يكون على الحزب إقناع هذه المكونات الثلاثة على الأقل، بتسويق فرنجية للرئاسة. وهذا الأمر غير متوفر في الوضع الحالي. أما التسويق الآخر، وهو الأصعب بالنسبة للحزب، فيبقى دعم باسيل. فإذا كان دعم فرنجية يتطلب من الحزب إقناع جنبلاط وبعض المعارضة، فدعم باسيل يجب أن يبدأ من بعيد بإقناع الأقربين إلى الحزب، بدءاً بالرئيس بري وغيره من الحلفاء قبل الوصول إلى البقية، ما يشكل شبه استحالة في تسويق باسيل، الذي يبقى بالنسبة للحزب ورقة استثمار أكثر ربحاً من توليه المنصب؛ بالإضافة إلى ملف باسيل الأسود داخليّاً وإقليميّا ودوليّاً.
أمام صعوبة انتخاب رئيس ممانع يؤمن له الإستمرار بنفس المعطيات للسنوات الست المقبلة؛ انتقل نصرالله إلى تطبيق المخطط البديل، والذي يقضي بـ»ترميم» حكومة نجيب ميقاتي، بحيث تؤمن استمرارية حكم المنظومة بنفس المعطيات ولأمدٍ طويل، قد يمتد لسنوات عدة من التعطيل كما سبق وحصل مع العماد عون، بانتظار تغييرات قد تطرأ على الساحة الشرق أوسطية. وكما تناسب حكومة «نيولوك» الميقاتية الحزب، كذلك هي تناسب جبران باسيل الفاقد الأمل حاليَّاً بهذه الرئاسة، بينما تسمح له الحكومة المرتقبة بتحقيق شروطه في الحكومة الجديدة في ظلِّ شروط يضعها رئيس الجمهورية، ويصبح شريكاً أساسياً في حكم فترة الشغور التي يرغب بإطالة أمدها. كما تناسب فرنجيه، الذي لم تؤمن له الأغلبية الناخبة في المجلس حتى اليوم، ولا يسعه سوى الإنتظار في ظل شغور دستوري بانتظار تبدلات إقليمية ودولية.
إذا كان مخطط «حزب الله وحلفائه، الإستمرار في استرهان لبنان للممانعة، مع ما يتسبب ذلك من ويلات ومآسٍ واستكمالاً للإنهيار، فهل للمعارضات النيابية مخطط معاكس لإفشال مشروع الممانعة لإنقاذ هذا الوطن، خصوصاً أنه جرى انتخابهم على هذا الأساس؟ أم أنهم يستمرون أسرى ثقافة الماضي الغامض المنسوج بالتحريض والتزوير؟ إنها مسؤوليتهم التاريخية أمام الأجيال المقبلة.
(*) عميد ركن متقاعد ونائب سابق في تكتّل «الجمهورية القوية»