من الناحية القانونية فإن المرسوم الذي يصدر عن رئيس الحكومة ينهي وجودها. لكن هذا المرسوم لا يمكن أن يصدر منفرداً، وإنما دفعة واحدة مع مراسيم تأليف الحكومة الجديدة. لأنه يتوجب على رئيس الحكومة البقاء في السلطة وتصريف الأعمال الإدارية إلى حين تأليف الحكومة الجديدة عملاً بمبدأ استمرارية المرفق العام. وذلك حتى لا تكون البلاد في هذه الفترة بدون حكومة. وهذا ما أكده مجلس شورى الدولة تطبيقاً لمبدأ استمرارية المرفق العام.
كما ان حكومة تصريف الأعمال الحالية لا تحتاج إلى مرسوم لقبول استقالتها، فهي مستقيلة بالنصّ الدستوري عند بداية ولاية المجلس النيابي الجديد.
كما أن قبول الاستقالة من قبل الرئيس عون هو لزوم ما لا يلزم، لأنه مجرّد إجراء شكلي لا يؤثر في وضعية الحكومة. زِدْ على ذلك أن استقالة الحكومة بعد الانتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار الماضي ليست عملاً إدارياً، بل عملاً حكمياً بحسب النص الدستوري، وبالتالي مرسوم الاستقالة لا يغيّر بالواقع الدستوري شيئاً.
ولا شك أن استمرار الحكومة في مزاولة نشاطاتها الهادفة إلى تصريف الأعمال العادية التي لا تنتظر تشكيل وزارة جديدة هو قضية ضرورية وهامة جداً. ذلك أن سياسة الأمر الواقع الحريصة دوماً على استمرار نشاطات الدولة وخدمة المواطنين هي التي تفرض عدم رحيل الحكومة قبل تعيين البديل. إذ لا يعقل أبداً ترك أجهزة الدولة الرئيسية دون وزير يرعى شؤونها ويلبّي مصالح المواطنين.
من ناحية أخرى، فإن الشغور الرئاسي ينقل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حكومة تصريف الأعمال، ولا فراغ في المؤسسات الدستورية انطلاقاً من استمرارية المرفق العام.
علاوة على ذلك، فبعد اتفاق الطائف لم يعد رئيس الجمهورية يسيطر على خيوط اللعبة السياسية ويهيمن على السلطة التنفيذية، ولم يعد النظام مائلاً ناحية النظام الرئاسي بدل البرلماني، فهذا الخلل تم إصلاحه مع التعديلات الدستورية بحيث أصبح يحول على رئيس الجمهورية منع حكومة تصريف الأعمال من القيام بواجباتها بتسيير المرفق العام وتلبية مصالح المواطنين.
كما ان استمرار حكومة تصريف الأعمال في فترة الشغور الرئاسي ينسجم مع مبدأ الحفاظ على النظام القانوني ومبدأ استمرار عمل المؤسسات العامة، وتحاشياً للوقوع في الفراغ الكامل في الحكم، وحرصاً على سلامة الدولة وسلامة المؤسسات والإدارات العامة. وهذا هو موقف الاجتهاد والفقه في معظم الدول.
وقد قدّر لمجلس شورى الدولة فرصة تحديد مفهوم تصريف الأعمال، واعتباره أنه يقتصر على تسيير أعمال الدولة بشكل ضيق وغير تصرفي، ولا يحمّل الحكومة الجديدة أية أعباء قانونية أم مادية.
وختاماً، استناداً لنظرية الظروف الاستثنائية، يجب أن تحرص حكومة تصريف الأعمال على استمرار المؤسسات الدستورية، فهذه النظرية توسّع الصلاحيات الإدارية بالقدر اللازم حتى تتمكن من اتخاذ الاجراءات التي يفرضها الطابع الاستثنائي للظروف. وقد نشأت هذه النظرية من قرارين لمجلس الشورى الفرنسي وتنسجم مع مبدأ الحفاظ على النظام القانوني.