يبدو أن الأمور لن تسلك طريق الحل الحكومي قريباً في ظل التعقيدات المتوارثة والتي تنذر بالأسوأ.
إذا كانت العلاقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف الجديد نجيب ميقاتي أفضل حالاً من علاقة عون بالرئيس سعد الحريري، إلا أن المضمون لا يزال هو نفسه ولا أمل بالولادة الحكومية.
ويذهب أكثر المتفائلين إلى حدّ القول أنه حتى لو وُلدت الحكومة فإنها ستكون حكومة مبتورة وليست حكومة إختصاصيين مستقلّة، والدليل هو “التناتش” على الحصص بين عون وميقاتي وبقية القوى السياسية، فكيف تكون حكومة مستقلّة إذا كانت كل قوة سياسية ستسمّي وزراء فيها؟
وإذا سارت الأمور في اتجاه التأليف، فإن هذه الحكومة المنتظرة ستكون كناية عن حلبة صراع للقوى التي كانت تتقاتل سابقاً وتتسابق على أكل “الجبنة” ونهب ما تبقّى من مقدّرات الدولة، وستعيش الخلافات التي عاشتها الحكومات السابقة من دون القدرة على تلبية حاجات الناس وتحقيق الإصلاحات المطلوبة.
وفي السياق، فإن ما يشهده الملف الحكومي حالياً والأخذ والردّ بين عون وميقاتي، هو كناية عن إستكمال الصراع بين الحريري وباسيل، والذي انطلق بعد إنتفاضة 17 تشرين 2019.
عاش باسيل والحريري شهر عسل لا مثيل له إمتدّ على مدى ثلاث سنوات، وقد شهدت تلك المرحلة إنسجاماً تاماً تمثّل في إتمام صفقة البواخر ومن ثمّ الإتفاق على ملف الإتصالات والسدود، ومشت الحكومة على قاعدة “مرّقلي تمرّقلك”، من ثمّ أهدى الحريري باسيل نحو 5 نواب في دوائر الشمال الثالثة وبيروت الأولى وصيدا – جزين وزحلة.
إنفجر الوضع بين الرجلين بعد إنتفاضة 17 تشرين وصبّ الحريري جام غضبه على باسيل من دون أي مبرّر ظاهرياً، وظنّ أنه بذلك يكسب عطف السعودية، وكان الهجوم الأعنف في ذكرى 14 شباط 2020 على مسامع السفير السعودي وليد بخاري، الذي صوّب بوصلة الحريري في تغريدة، معتبراً أن عصابات “حزب الله” متّهمة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكأن السعودي يقول للحريري منذ ذلك الوقت إن معركتك مع “حزب الله” وليس باسيل، والأخير تفصيل وصراعك معه على السلطة لا يعنينا.
خطف الحريري التكليف تسعة أشهر تحت حجة أن لا مهلة زمنية للرئيس المكلّف غير آبه لما يحلّ بالشعب، في وقت وقف له باسيل بالمرصاد مستفيداً من الغضب السعودي عليه وعدم وجود غطاء عربي ودولي له ولتطلّعاته، فسقط الحريري نتيجة عدم قراءته الصحيحة للموازين الداخلية والعربية والدولية، وبات يتحمّل الجزء الأكبر من التعطيل مثله مثل حليفه السابق باسيل الذي كانت توجّه السهام ضدّه.
اليوم لا تزال البلاد تعيش تداعيات صراع الحريري – باسيل الخفيّ، ويدفع الشعب الفاتورة الأغلى ثمناً، فصحيح أن عون وميقاتي هما من يشكّلان الحكومة، لكن رئيس الجمهورية يُدير أذنه في كل شيء لباسيل ولا يوقّع على أي ورقة أو قرار إذا لم تكن تتناسب مع مصلحته السياسية، في حين أن ميقاتي عند الموافقة على تكليفه من الفريق السنّي وعد الحريري بألا يسير بما لا يوافق عليه، وبالتالي فإن هذا الصراع يعطّل البلاد.
لا يرغب عون بإكمال عهده بلا حكومة وبوتيرة إنهيار اسرع، ويتمنّى ميقاتي تأليف الحكومة اليوم قبل الغد، لكن إذا كنت تريد ان تعرف أين التعطيل فابحث عن الحريري وباسيل وبرعاية “حزب الله”.