IMLebanon

عون لسلة كاملة لا مجرد تشكيل

 

 

منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة إلى تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، لا تزال الشروط الخارجية نفسها: لا وزراء لحزب الله، ولا أسماء ينزلها حزب الله على الحكومة، ولا ثلث معطلاً. لذا، يصبح الكلام عن تفاؤل بإنجاز الحكومة مدعاة تساؤل عمّا تغيّر، أوروبياً وأميركياً وسعودياً، في وقت أُضيف إلى اللاءات المرفوعة ملفان على درجتين مختلفتين من الأهمية: الأول بواخر النفط الإيرانية لجهة قدرة ميقاتي على النفاذ في أول استحقاق مباشر مغاير تماماً لاستحقاقاته الحكومية السابقة، وقدرته على الاستمرار في اللعب على التناقضات. والثاني تفاقم التوتر الداخلي بين العهد وكافة القوى السياسية، في الداخل، كما مع واشنطن والرياض.

 

في مجالسها الخاصة، تتبنى معظم القوى السياسية ما يقوله حاكم مصرف لبنان عن أن اللبنانيين سيعتادون على الحال التي سيذهب إليها البلد. هذا الكلام الذي قيل قبل سنتين، لا يزال ساري المفعول. ويُنقل عن سياسيين كلامهم عن تخطي اللبنانيين، بسرعة، حالة رد الفعل الذي كان متوقعاً، إلى القبول بالإذلال اليومي، من ارتفاع أسعار المحروقات وفقدان الأدوية والخبز. هذا «الاعتياد» أعطى هذه القوى، على اختلاف مواقفها السياسية المحلية والخارجية، مجالاً واسعاً لالتقاط الأنفاس والتعامل مع الأزمات الراهنة من زاوية سياسية بحت. وهذا ما يفسّر طريقة إدارة المفاوضات الحكومية وغيرها، لتبدو منفصلة تماماً عن الأزمات الحياتية المتفاقمة. فيما الحلول المطروحة موقتة وترقيعية، ومن المبكر الكلام عن اجتراح عجائب ووضع استراتيجية عامة للإنقاذ، سواء تشكلت الحكومة أم لم تتشكل. كل ما يحصل نوع من تبريد الأجواء عبر إطفائيات تعمل على تقطيع المشكلة تلو الأخرى، كما حصل مثلاً في ملف مصرف لبنان وسياسته الهوجاء واجتماعات القصر والسرايا التي تعالج مشكلة استيراد البنزين على القطعة، ومشكلة رفع الدعم التي غطاها الجميع في ظل استعراضات إعلامية ونيابية مضللة. بهذه الطريقة لا ينفجر البلد في شكل كامل، رغم تحذيرات استخباراتية، داخلياً وخارجياً، من أن أي توتر أمني على خلفية اجتماعية، يمكن أن يشعل حرباً شاملة لا يعرف أحد سقفها، وأن أي جهاز خارجي قادر في ظل هذه الظروف على المساس بالأمن الداخلي. وفق هذا التوصيف، يصبح المطروح سياسياً اليوم: من يقدر على المقاومة أكثر في وجه الآخر، ومن يستسلم أولاً.

 

«الاعتياد» على الانهيار أعطى القوى السياسية مجالاً لالتقاط الأنفاس والتعامل مع الأزمات الراهنة من زاوية سياسية

 

 

منذ تصاعد النفوذ الإيراني في لبنان، راجت مقولة تنسب طول النَفَس للسياسة الإيرانية. وهذه سياسة امتهنها حزب الله في أدائه، ولو أن القوى المناهضة له تعتبر أن معالم خسارة صورته الداخلية، بدأت يوم دخل إلى لعبة السياسة المحلية وانخرط فيها أكثر فأكثر.

رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتبع الأسلوب نفسه منذ الثمانينيات حين دمرت «بيروت الشرقية». نفسه الطويل وعناده وضعاه دوماً على سكة الممانعة التي تجعل منه لا يتزحزح سواء كان على خطأ أو على صواب. من المرات النادرة أن تتاح لسياسي العودة إلى القصر الجمهوري مرتين، لكنه في المرتين يكرر التجربة ذاتها والأداء نفسه. وهو يدير اليوم الملف الحكومي، تماماً كما لو أن الأزمة في بداية عهده، وليس كمن يطل على مشارف السنة السادسة منه بلا حكومة ولا جمهورية قائمة بكل مقوماتها الحياتية. لذا لا يطرح عون الملف الحكومي من زاوية التشكيل بصفته العملانية فحسب، بل يريد أيضاً معرفة ما بعد التشكيل، والكلام في ملف التدقيق الجنائي ووضع حاكم مصرف لبنان والشغور في المراكز الإدارية الفارغة وقانون الانتخاب وملفات الوزارات ولو اتفق على الأسماء، لأنه أيضاً – والتيار الوطني الحر – حريصان على أن تكون الوزارات التي في عهدتهما منذ سنوات، كالطاقة مثلاً، غير معرضة لاحقاً للمساءلة. ويواجه عون مجموعة لاءات داخلية، تبدأ من الرئيس نبيه بري ولا تنتهي بالمستقبل. فبري يتمتع بحصانة عدم مواجهة حزب الله له، لأن لمحاذرة الأخير الدخول في توترات شيعية داخلية كما في توترات سنية – شيعية، لن يوفر جهداً لمقارعة عون والتيار، متسلحاً في الوقت نفسه بتوافق مباشر مع الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. لكن عون لا يستصعب خوض المعركة مع بري، كما مع رؤساء الحكومات السابقين من خلال ميقاتي، ومعارك مسيحية داخلية مع القوات، على اعتبار أن خصومه لا يملكون استراتيجية واضحة إلا في إطار ردود الفعل. وهذا الأمر لا يزيد من أعبائه، سواء حصل على غطاء من الحزب أم لم يحصل، في معركة الحكومة. بل إنه يغامر إلى النفس الأخير. فأي تشكيلة حكومية تمثل بالنسبة إليه صورة نسخة طبقة الأصل عن مشروع إدارة الأزمة التي يسير فيها على طريق المواجهة السياسية الشاملة، خصوصاً في ضوء احتمال تطيير الانتخابات النيابية، لأن المشكلة كما الحل لا تكمن في إصدار مراسيم الحكومة أو في بقاء حكومة الرئيس حسان دياب. بل إن الكلام الحقيقي في دوائر القوى السياسية من الصف الأول أن الأوضاع تتجه نحو مزيد من الانهيار، وسياسة المواجهة تحتاج إلى نفس طويل لا يملكه الجميع.