مرّ تكليف رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة الجديدة، على خير الإثنين، وفاز بأصوات 72 نائباً من أصل 118 نائباً (بسبب استقالة عشرة نوّاب من المجلس النيابي الحالي)، مقابل 54 نائباً لم يُسمّوا أحداً، 3 غابوا ونائب واحد هو فؤاد مخزومي سمّى نوّاف سلام. ورغم عدم تسمية غالبية النوّاب المسيحيين له، بدأ ميقاتي بعد التكليف استشاراته النيابية غير المُلزمة الثلاثاء، وتبقى العبرة في التشكيل، على ما قال رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، فهل يمرّ التأليف على خير بدون التمثيل المسيحي في الحكومة الجديدة، سيما وأنّ «التيّار الوطني الحرّ» و «الجمهورية القويّة» لم يُسميا ميقاتي وأعلنا عدم مشاركتهما في الحكومة؟!
مصادر سياسية عليمة أكّدت أنّ ميقاتي الذي أعلن فور تكليفه عن أنّ لديه ضمانات دولية، وهي المرّة الأولى التي يتحدّث فيها رئيس مكلّف عن مثل هذا الأمر، سيستفيد من هذه الضمانات لكسب ثقة الداخل، من السياسيين والشعب، والا فإنّ هذه الضمانات لن تُساهم في تسهيل تشكيل أي حكومة لن يرضى عليها الأفرقاء في الداخل. علماً بأنّ «التيّار الوطني الحرّ» و»القوّات اللبنانية» قرّرا عدم المشاركة في الحكومة العتيدة، وإن كان رئيس «التيّار» النائب جبران باسيل أوضح أنّه سيُقدّم التسهيلات لميقاتي رغم عدم تسميته له، وسوف يرى برنامج حكومته لاحقاً ليُقرّر على ضوئه إذا ما كان يُعطيها الثقة في المجلس النيابي أم يحجبه عنها.
وهذا يعني، تضيف المصادر بأنّ ثمّة تسوية آتية من دول الخارج، لا سيما من قبل الولايات المتحدة وفرنسا لتشكيل الحكومة من دون الرئيس الأسبق سعد الحريري ومن دون باسيل كونهما، من وجهة نظرهما، ساهما في تعطيل تأليف الحكومة طوال الأشهر التسعة الماضية. ويجد هذا الخارج أنّ هناك فرصة للتشكيل من دون هذين الطرفين، سيما وأنّه آن الأوان لولادة الحكومة الجديدة بهدف بدء التحضيرات للإنتخابات النيابية في موعدها، أي في الربيع المقبل. فأكثر ما يهمّ دول الخارج هو إحداث التغيير في الحياة السياسية، ولهذا تدعم تشكيل الحكومة برئاسة ميقاتي على أن يقوم ببعض الإصلاحات المطلوبة ويقوم بالتوقيع مع صندوق النقد الدولي على أموال مؤتمر «سيدر» التي تبلغ نحو 11 مليار دولار من أجل القيام ببعض المشاريع الضرورية.
وذكرت المعلومات بأنّ ما رشح حتى الآن من المحادثات التي تضمّنتها الإستشارات التي أجراها الرئيس المكلّف امس،هو أنّ ميقاتي ينوي تشكيل حكومة من 24 وزيراً من الإختصاصيين غير الحزبيين والذين يفهمون بالأصول الدستورية والميثاقية، كما أنّه مستعد للتعاون مع الجميع، من الذين سمّوه وحتى الذين لم يسمّوه من باب الحقوق والواجبات، غير أنّ التعاون هذا لا يدلّ بالضرورة على إقناع باسيل بالمشاركة في الحكومة الجديدة، إنّما بتبادل الأفكار والمقترحات.
وفي مطلق الأحوال، إذا كانت أكبر كتلتين مسيحيتين ستبقى خارج الحكومة، فإنّ الحصّة المسيحية داخل الحكومة ستذهب للرئيس عون، كما لكتلة النوّاب الأرمن وبعض المستقلّين، على ما أوضحت المصادر عينها، إذ لا يُمكن اختزال هذه الحصّة وإسنادها للطوائف المسلمة، وعلى ميقاتي الذي أعلن أنّه سوف يُطبّق المبادرة الفرنسية أي أنّه سيلتزم ببنودها، سيعمل على تطبيق مبدأ المداورة في الحقائب السيادية، إذ لا يجوز أن يُبقي وزارتي الداخلية والبلديات، والمال»بيد الوزراء المسلمين، ويُضيف اليهما وزارة العدل على غرار ما أراد سلفه الرئيس سعد الحريري، سيما وأنّها تقبض على الشؤون الداخلية الأساسية في البلاد وهي الأمن والعدل والمال، وأن يتمّ استبعاد المسيحيين عن أي منها، والإكتفاء بإسناد وزارة الخارجية والمغتربين لهم.
وإذا كان باسيل لن يُشارك في الحكومة، فإنّ كلّ ما قيل عن تمسّكه بالحصول على وزارة الداخلية والبلديات كونها ستقود الإنتخابات النيابية المقبلة، ليس صحيحاً، فقد أكّدت مصادره بأنّه لا يُصرّ على هذه الحقيبة ولم يُناقش الموضوع مع ميقاتي، كما أنّ تكتّله قرّر عدم المشاركة في الحكومة بعد أن تأكّد أنّه لا يُشكّل الأكثرية، وبإمكان الحكومة أن تتألّف من دونه،غير أنّ ما يُشدّد عليه «التيّار»، أشارك في الحكومة العتيدة أم لم يُشارك، فهو اعتماد أي رئيس مكلّف وحدة المعايير لكي لا تشعر أي طائفة بأنّها مغبونة أو مهمّشة، بل أنّ يتمّ التعاطي مع الأحزاب والطوائف كافة بسواسية ، لكي تكون الحكومة الجديدة منتجة وفاعلة ولا يقوم أي طرف أو مكوّن سياسي فيها بعرقلة عملها.
وتقول المصادر ذاتها، بأنّ الآمال كلّها معقودة على هذه الحكومة في تحسين الوضع الإقتصادي المتردّي وفي فرملة الإنهيار الحاصل في جميع القطاعات، وتأمين الماء والكهرباء والدواء والمواد الغذائية والحاجات والمستلزمات الضرورية للشعب اللبناني الذي لم يعتد على ان يفتقر لأي منها حتى خلال سنوات الحرب الماضية. أمّا أن تكون حكومة ميقاتي فقط لإدارة الإنتخابات النيابية المقبلة في موعدها أي في الربيع المقبل، ولمواكبتها من دون البدء بعملية الإصلاحات، فإنّ هذا الأمر، على ما رأت المصادر، لا يُرضي الشعب اللبناني الذي هو سيقرّر الذهاب أو عدمه الى الإنتخابات والإدلاء بصوته في صناديق الإقتراع. فبرنامج الحكومة أو بيانها الوزاري يبدو بالنسبة لهذا الشعب أهمّ اليوم من الأسماء التي سيتمّ توزيرها، لأنّه يريد منذ الآن معرفة ما ستقوم به الحكومة الجديدة خلال السنة المقبلة، وعلى أساس هذا البرنامج، سيُعطي الحكومة الثقة أو يحجبها عنها، ويعود للتظاهر في الشارع.
وعن قول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن أنّ ميقاتي «يجيد تدوير الزوايا»، وأنّه مستعد لملاقاته في منتصف الطريق، على عكس ما كان موقفه مع الرئيس السلف، مقابل قول ميقاتي أنّه سيزور قصر بعبدا يومياً توصّلاً لتشكيل الحكومة بالشراكة مع الرئيس عون، لفتت المصادر ذاتها، إنّ كلاماً من هذا النوع والمستوى، إنّما يدلّ عن أنّ العلاقة بين الرجلين ستكون منسجمة وأفضل بكثير ممّا كانت عليه علاقة عون – الحريري بعد أن فكّ هذ الأخير عقد التسوية الرئاسية من دون استشارة الطرف الآخر.
من هنا، فإنّ منسوب التفاؤل في إمكانية تشكيل ميقاتي لحكومته سريعاً، يُوازي منسوب التشاؤم، إذا ما استندنا، على ما شدّدت المصادر، على مواقف كلّ الذين استشارهم ميقاتي حتى الآن، فبعضهم يبدو متفائلاً ومطمئناً، على غرار ميقاتي نفسه، والبعض الآخر يجد بأنّ العراقيل التي واجهت سلفه ستحول دون تمكّنه من التأليف. وبين التفاؤل والتشاؤم فإنّ أداء ميقاتي الذي سيلي الإستشارات غير المُلزمة ولقاءاته بالرئيس عون ومواقفه، ستُظهر إذا ما كان مشهد الاسابيع المقبلة واضحاً أو ضبابياً، حتى وإن كان يملك الضمانات الخارجية التي كان يحتاجها الحريري بقوّة لتسهيل مهمّته في تشكيل الحكومة.