IMLebanon

التفاوض المفتوح وثوابت ميقاتي

 

أبقى الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الباب مفتوحاً على إمكان تغليب الإيجابية على السلبية في معالجة العقد التي تعترض ولادة الحكومة، وأمام معاودة التواصل بينه وبين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الأسبوع الطالع، لحسم اعتراضات الأخير على التشكيلة التي قدمها إليه في اجتماعهما الثالث عشر.

 

صحيح أن ميقاتي أوحى بأن عون يعيده في كل اجتماع إلى “المربع الأول”، كما أوحى أن هناك في الرئاسة من يتعاطى مع التأليف على طريقة ما قبل اتفاق الطائف والتعديلات الدستورية التي انبثقت منه فألغت حصر التأليف برئيس الجمهورية وبات رئيس الحكومة هو الذي يؤلف ويصدر المراسيم “بالاتفاق” مع الأول. وصحيح أنه استخدم لغة ديبلوماسية ومواربة في الإشارة إلى عقدة الثلث المعطل حين أوضح أن رئيس الجمهورية “يعي” العقد التي تحول دون ولادة الحكومة. إلا أنه ترك المجال لاستئناف البحث بعدما أبعد التحذير من الاعتذار عن الخيارات المطروحة راهناً، لأن هذا التحذير يجهض ما تبقى من فرص للتفاوض ومن إمكانية لتغيير شروط عون ومطالبه في التسميات وفي الإصرار على المحازبين وذوي الولاءات. فالتلويح بالاعتذار لا يستخدم في مرحلة التفاوض بل يكون هو النتيجة العملية الحتمية في حال انتهى هذا التفاوض إلى استحالة ولادة الحكومة. باختصار قام الرئيس المكلف بتدوير الزوايا في إثارته نقاط الخلاف، مع قدر من الوضوح في تحديده معايير التشكيل.

 

ينظر محيط ميقاتي إلى بعض المواقف الواضحة التي طرحها في مقابلته التلفزيونية على أنها تذكير بالمنطلقات التي يجب أن تبنى عليها عملية التشكيل قياساً إلى الدستور، من دون أن يعني ذلك أنها موضوع نقاش بينه وبين عون، مثل مسألة تطبيق دستور الطائف، لأن الغوص في الموقف من وثيقة الوفاق الوطني التي كان عون ضدها في العام 1989 وما زال يأمل بتغيير المواد الدستورية التي فرضتها، يقحم التأليف في مغطس ليس وقته ويضيّع أولوية الحكومة.

 

الأسبوع الطالع يفترض أن يكون حاسماً بعدما أوضح كل فريق موقفه، وكرر عون أنه يسعى لأن تتشكل الحكومة على أساس الشراكة بين المكونات اللبنانية والميثاقية… وبعد الذي قاله ميقاتي. لكن الأمثلة على أن لا شيء يستدعي الجزم بقرب الحسم سواء إيجاباً أو سلباً في لبنان. فالحريري بقي 9 أشهر ونيف، أمضى الجزء الثاني منها بين الحسم والتريث، بعد 19 أو 20 اجتماعاً بينه وبين عون. وإذا كانت الاجتماعات العلنية بين ميقاتي وعون لم تتجاوز الـ13 اجتماعاً فإن اللقاءات التي أجراها مستشاره المحامي كارلوس أبو جودة مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وعون، واللوائح التي حملها من الجانبين، تجاوزت عدد زيارات الحريري وميقاتي مجتمعة إلى القصر، في غضون شهر وأيام قليلة.

 

في وقت يأخذ عون على ميقاتي أنه بدّل في أسماء سبق أن اقترحها أو وافق عليها، وفي حقائب سبق أن اتفق معه عليها، فإن ما يردده العارفون أن ميقاتي يستند إلى ثوابت في سعيه لإحداث اختراق في جدار الانسداد الحكومي، تبدأ باقتناعه بأن رئيس الجمهورية يريد قيام الحكومة لاعتقاده بأن الوضع المتدهور لم يعد يحتمل تأخيراً، وأن ما يحصل هو محاولة الجانبين تحسين شروطهما في التأليف. كما أن ابتعاد باسيل عن شاشة التأليف والتفاوض لأن الرئيس المكلف لا يحتمل الخروج عن النص الدستوري الذي يحصر العملية بينه وبين عون، يسهل مواصلة الأخذ والعطاء، على الرغم من المعلومات أن باسيل يساهم من الخلف في التفاوض. ومن الثوابت التي يرتكز عليها ميقاتي أيضاً أن الموقف الأميركي يساند مواصلته إنجاز الحكومة ويعتبر محاولته الأمل الأخير، فيما يدعمه الجانب الفرنسي بقوة ويرفض طرح خيار الاعتذار وينصح بمواصلة السعي لتذليل العقبات، لأنه لا يحتمل هو الآخر فشلاً جديداً في مراهنته على قيام حكومة لانتشال البلد من القعر الذي سقط فيه. هذا فضلاً عن أن الرئيس المكلف مطمئن إلى مساندة “حزب الله” له في معالجة بعض العقد وأنه بذل جهوداً في هذا السياق.

 

هل تكفي هذه الثوابت كي ترجّح احتمال الحسم بالاتجاه الإيجابي؟