Site icon IMLebanon

مَن يحكم لبنان في السنة الأخيرة: عون أم ميقاتي؟

 

 

ثالثة حكومات الرئيس نجيب ميقاتي رابعة حكومات عهد الرئيس ميشال عون. ليست بالضرورة الأخيرة في السنة الأخيرة من الولاية، لكنها تحتمل أن تكون كذلك إن لم تُجرَ الانتخابات النيابية

 

حتى الوصول إلى موعد الانتخابات النيابية في أيار 2022، يُفترض بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي أن تملأ فراغاً بدأ قبل 13 شهراً منذ استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، إلا أن أحداً لا يسعه، الآن على الأقل، الجزم بقدرتها على وقف الانهيار. حكومة اختصاصيين وأصحاب كفايات وبينهم مجرّبون، من غير أن يكونوا حتماً مستقلين، بعدما رافق مرحلة تأليفها كمّ لا يطاق من الشروط والشروط المضادة والتهويل، والصراع على الحقائب والمقاعد، والتنازع على الأكثريتين المقرّرتين في مجلس الوزراء: الثلثان، والثلث +1. مَن يحزْ إحداهما يحرم الآخر من الثانية.

 

أبسط ما يمكن استنتاجه من المسار الصعب والشائك الذي رافق التأليف، رغم أيامه القليلة وبالكاد بلغت 45 يوماً، أن كلا الرئيسين كانا يفكران في حكومة ما تبقى من الولاية، وفي مَن يقتضي أن يكون فيها آمناً لكليهما وموثوقاً به لملء شغور واحد حتمي، وأكثر من شغور محتمل في الأشهر المقبلة.

في نهاية المطاف لا ثلث معطلاً لفريق، ولا ثلثان مقرّران للفريق الآخر، في ظل وجود حزب الله على الحياد بين أكثريتين وهميتين كانتا، طوال الوقت المنصرم من التأليف، تتنافسان على الوصول إلى أي من النصابين الموصوفين. واقع الأمر أن الدور المقرِّر لحزب الله في رعاية التوازنات داخل الحكم والسلطة، كما في فرضه في الشارع، يجعل كل أكثرية وهمية غير ذات نفع أو جدوى، وإن زعمت هذا الحجم. لم يكن صعباً تلمّس لحظة الحزب يراقب مسار التأليف من غير أن يتدّخل فيه، على وفرة ما فعله أفرقاء آخرون. قال لذوي الشأن إنه ينتظر تأليفها، وترك الرئيسين يختلفان طويلاً من غير أن يفترض أن استمرار الخلاف سيؤول إلى اعتذار ميقاتي.

بيد أن صدور مراسيمها أخيراً على نحو أرضى الأفرقاء، المعنيين في ما مضى بتأليفها وحصصهم فيها، مقدار ما أرضى عون وميقاتي وكرّس – مرة أخرى – تفسير المادتين 53 و64 من الدستور بتأكيد شراكتهما في مرحلة التأليف، لا يقلل من أهمية الاستحقاقات التي تنتظرها:

أولها، أن رابعة حكومات عهد عون كسابقاتها، قد تكون ربما مخيّبة له لسبب وحيد، هو أنها ليست – وإن في السنة الأخيرة من الولاية – أولى حكومات العهد التي توقّعها في مطلعه، ووصل أو يكاد إلى خاتمته دونما تحقيق هذا الهدف. هي حكومة ائتلاف الكتل والأحزاب الرئيسية أكثر منها حكومة الرئيسين. شارك الائتلاف هذا في أدقّ تفاصيلها، وتسبّب مرة تلو أخرى في تأخير تأليفها بسبب تعارض الشروط والفيتوات المتبادلة التي بات يملكها الأفرقاء الرئيسيون. لم تعد فيتوات داخل مجلس الوزراء فحسب، بل باتت قادرة على الحؤول دونه. قد يكون رئيس الجمهورية وحده من بين سائر أسلافه منذ الأربعينات، يفشل طوال مراحل عهده في تأليف حكومته المثالية، وعلى نحو ما يريدها له.

 

ظل حزب الله وتأثيره يجعل الأكثرية وهمية

 

 

بل لعل الأكثر مدعاة للغرابة، أن يمتنع حزب الرئيس الذي يمثّل الكتلة النيابية الأكبر في البرلمان والكتلة المسيحية الأكبر فيه، خارج المشاركة في الحكومة شأن سائر الأفرقاء الذين جهروا بتسميتهم وزراءهم الاختصاصيين.

ثانيها، لا ريب في أن رئيس الحكومة هو واجهة المرحلة المقبلة بالتحرّك خارجياً حيال الغرب والعرب في آن. كذلك التفاوض مع صندوق النقد الدولي والهيئات والصناديق والمنظمات الدولية. دور كهذا غالباً ما رافق رؤساء الجمهورية طوال عهودهم، بما في ذلك سنتهم الأخيرة فيها، وإن بدا في الظاهر أنها أضعف سني الولاية، غير أنها لم تفقد الرئيس يوماً دوره في التواصل مع الخارج. منذ مطلع عهده، رغم انفتاحه على السعودية وفرنسا ومصر بزياراته إليها وتحدّثه من على منبر الأمم المتحدة، جبه عون صعوبة التحاور مع الخارج في بلد لم يعد خافياً فيه طغيان تأثير حزب الله، واعتداد الرئيس بتحالفه معه وتبرير دوره في وقت تتقاسم الدول تلك، غربية وعربية، مخاوف مشتركة من تنامي حزب الله، بعضها عدّه «إرهابياً»، وبعض آخر حاذر التواصل معه ما خلا قليلاً، وبعض ثالث وجد نفسه مرغماً على مخاطبته وإن بتحفظ. تدفع أسباب كهذه ميقاتي إلى أن يكون هو المحاور والمفاوض الفعلي للبنان. ذلك ما أوحى به البارحة بقوله إنه سيدق كل الأبواب. بالتأكيد يتوخى أولاها السعودية وفرنسا.

ثالثها، أن الحكومة الجديدة المفترض أن ولايتها تنتهي بانتخاب برلمان جديد في الموعد المقرّر في أيار 2022، لا يسعها بمفردها – رغم التعهّد الذي قطعه رئيسها – أن تقرّر حصول الانتخابات وفرضها، أو الانتقال إلى خيار بديل كتمديد ولاية مجلس النواب، أو ربما الذهاب إلى ما هو أسوأ، وهو تعذّر الخيارين الأولين والسقوط في شغور دستوري حقيقي وخطير. ما يصحّ على هذا الاستحقاق، يصيب كذلك الموضوع الأكثر إثارة للسجال والخلاف بين الأفرقاء، وهو التحقيق الجنائي ومباشرة تطبيقه. لا رئيس الجمهورية قادر على فرضه على رئيس الحكومة، ولا رئيس الحكومة في وسعه التزام تطبيقه خارج مجلس الوزراء. مع أن الجالسين إلى طاولته اختصاصيون، إلا أن القرار الفعلي ليس عند هؤلاء، بل لدى المرجعيات التي وزّرتهم.

رابعها، مع أن تأليف الحكومة يوحي، في الظاهر أو قد يفترض، تبريد النزاع الناشب بين رئيس الجمهورية والسنّة بقيادة نادي رؤساء الحكومات السابقين، وهو الأسوأ حتى الآن بين الفريقين، بيد أن البعض المطلع العارف يتحدّث عن ميقاتي ما بعد التأليف يختلف عن ميقاتي التكليف. في جزء من هذا الاعتقاد يعود إلى بداية الحديث عن تكليف نائب طرابلس ترؤس الحكومة، عندما ناقش الرؤساء السابقون المرحلة الجديدة من دون الرئيس سعد الحريري في السرايا بعد اعتذاره، وتداعياتها على السنّة الذين – بحسب ظنون هؤلاء – أن رئيس الجمهورية يدمّر موقعهم ومكانتهم في الحكم والدستور، اتفقوا في ما بينهم – في حضور ميقاتي – على أن تكون القرارات المصيرية التي يتخذها بالشراكة مع ناديهم. يشمل ذلك الملفات الحساسة والسياسات الأساسية التي يقتضي التشاور المسبق حيالها.

مغزى هذا الموقف أن وجود ميقاتي في السرايا هو بتكليف من أسلافه، مقدار انبثاقه من الغالبية النيابية، ما يجعل وزن هؤلاء لا يقلّ شرعية عن تلك. ما راموه كذلك، أن حكومة ميقاتي هي مَن يقتضي أن يقود البلاد في السنة الأخيرة من ولاية رئيس الجمهورية.