IMLebanon

إختلاف أولويات بين عون وميقاتي

 

 

تحظى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي بفرصة استثنائية في حال أحسنت إدارة ملفاتها، وإذا لم توضَع أمامها عراقيل تؤدي إلى تعطيل عملها، وإذا لم تدخل في خلافات تُفضي إلى شلها وتجميدها.

 

الفرصة التي تحظى بها حكومة ميقاتي من أجل ان تحقِّق الحد الأدنى الممكن، مَردّها إلى 3 عوامل أساسية:

 

العامل الأول دولي بامتياز في ظل حرص عواصم القرار على إبقاء لبنان مستقراً، والبيانات الدولية الفورية المرحّبة بولادة الحكومة أقوى دليل على هذا الحرص الذي سيترجم بمساعدات تُبقي البلد متماسكاً بانتظار تحقيق رزمة الإصلاحات المطلوبة التي تفتح باب المساعدات على مصراعيه.

 

العامل الثاني شعبي بامتياز في ظل مخاوف الناس على حاضرها ومستقبلها ومصيرها مع اشتداد الأزمة المفتوحة على الأسوأ، وقد تنفسّت الصعداء مع ولادة الحكومة مُتأمِّلة بأن تتحسّن أوضاعها ويتم وضع حدّ لحياة الإذلال التي تعيشها في كل يومياتها، وعلى رغم إدراكها انّ رهانها كالحبال المعلقة بالهواء، ولكن لا خيار أمامها سوى الرهان على الموجود، كَون خلاف ذلك الدمار الشامل.

 

العامل الثالث سلطوي بامتياز، ويتعلّق بالفريق الحاكم الذي أُنهك ولا يريد الوصول إلى الانتخابات النيابية من دون حكومة، وان تقترع الناس ضده في تصويت عقابي على أدائه الذي أوصلها إلى الحضيض. وبالتالي/ سيحاول امتصاص نقمة الناس بغية الحدّ من أضرار التصويت ضده، فضلا عن ان «حزب الله» بات يخشى جدياً من سقوط الدولة، التي يمسك بقرارها، بالضربة القاضية، فمارس أقصى ضغوطه على حليفه العهد للوصول إلى تسوية الحد الأدنى الممكن.

 

وعلى غرار كل شيء في الحياة فإنّ حدود الرهجة لا تتعدى الأسابيع القليلة، اي تقاس بالأسابيع لا الأشهر بسبب حدة الأزمة، ما يعني انّ على الحكومة الميقاتية ان تضرب الحديد وهو حامٍ سعياً لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه في أقل فترة ممكنة، فتبتعد عن الوعود والإنجازات الورقية التي امتازت بها حكومة الرئيس حسان دياب، وتقترب من الإنجازات العملية التي بحاجة إليها الناس.

 

وفي موازاة ضرورة تحوّلها إلى ورشة عمل فعلية واعتماد مبدأ الأفعال لا الأقوال، يجب ان تبتعد كلياً عن كل المهاترات والخلافات والانقسامات السياسية، لأنه في اللحظة الذي تتحول فيها إلى جبهة ومتراس تفقد مهمتها الإنقاذية، ما ينعكس على سير عملها وإنتاجيتها، خصوصاً انّ الناس بحاجة إلى خطوات ملموسة. وبالتالي، إما ان تلتقط الفرصة المتاحة لها داخليا وخارجيا، وهي فرصة مقبولة، وإما ان مصيرها سيكون عسيراً لأن الوعود أصبحت بضاعة فاقدة الصلاحية.

 

وما يعزِّز التوجه الإنتاجي شخص رئيسها الذي يريد ان ينجح في مهمته لا ان يفشل، وإذا كان العهد أصبحت صورته محروقة ولن يبدِّل كثيرا نجاح الحكومة الجزئي او فشلها الكلي في صورته، فالأمر لا ينسحب على ميقاتي الذي يعتبر الحكومة فرصة شخصية آلت إليه عن طريق الصدفة السياسية او الأحداث غير المتوقعة، وبالتالي سيقوم بالمستحيل من أجل أن ينجح ويثبت أنه الأقدر لهذه المهمة تحقيقاً للأهداف التالية:

 

الهدف الأول أن يَترأس حكومة ما بعد الانتخابات النيابية، او بالحد الأدنى ان يتكلّف بعد الانتخابات كون التأليف له حسابات أخرى قبل أشهر من انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون،. وبالتالي، يريد ميقاتي ان يبقى في السرايا في الفترة المتبقية من العهد ومرحلة الفراغ التي ستليه، باعتبار ان طموحه يتجاوز ترؤس حكومة انتقالية، الأمر الذي يتطلّب منه قيادة الحكومة بالطريقة نفسها التي قاد فيها مرحلة التأليف، اي ان لا يصطدم بعون، ولا ان يمنحه ما يريده.

 

الهدف الثاني ان يتحوّل بالنسبة إلى القوى السياسية إلى الرقم الصعب ورئيس الحكومة الدائم والثابت، وشخصيته المرنة تخوله لعب هذا الدور، فلا يخاصم ولا يتخِّذ المواقف الحادة ويجيد تدوير الزوايا. وبالتالي، هو قادر على الشبك مع القوى السياسية في الداخل ومع عواصم القرار في الخارج، وبمعنى آخر يريد ان يكون فوق الانقسامات التي هو عاجز عن حلها، ومتمسكا بدوره والصلاحيات، وواضعا لنفسه أجندة إنمائية لا تخلوا من السياسية، وليس أجندة سياسية لا تخلو من الإنماء.

 

الهدف الثالث ان يتحوّل بالنسبة إلى اللبناّنيين عموما والسنة خصوصا إلى نسخة عن الشهيد رفيق الحريري مع اختلاف الظروف والأخذ في الاعتبار ان الحريري شخصية لا تتكرر، اي ان يُنظر إليه لبنانياً بأنه الأقدر على إمساك العصا من وسطها وتحقيق الإصلاحات والمشاريع، وان ينظر إليه سنيا بانه الأفضل في الحفاظ على الصلاحيات وإعطاء موقع رئاسة الحكومة وهجه وحقه ودوره في الداخل وعلى مستوى علاقاته مع الخارج.

 

الهدف الرابع ان يُنظَر إليه دوليا أنه الرجل الموثوق والذي يحظى بثقة عواصم القرار الغربية والعربية وان يتحول إلى مطلب دولي.

 

فهل سيتمكّن ميقاتي من تحقيق كل هذه الأهداف؟ وهل ستكون مهمته سهلة ومسهلة؟ وكيف سينجح بتلافي الصدام مع رئيس الجمهورية وفريقه الذي يريد كل شيء لنفسه، ولن يتهاون مع تمدُّد دور ميقاتي، وكل ذلك يحصل قبل انتخابات نيابية مصيرية وتليها انتخابات رئاسية وفي ظل مأزومية الفريق الرئاسي الذي بدأ يقترب عهده من الأفول؟ وماذا عن الملفات التي تبدأ بالكهرباء والاتصالات، ولا تنتهي بالمعابر غير الشرعية؟ وماذا عن محاولات النظام السوري المستمرة للتطبيع مع لبنان؟ وكيف سيتمكن من المزاوجة بين حرصه على العلاقات مع الدول الخليجية وبين دور «حزب الله» ومواقفه التي تستهدف هذه الدول؟ وهل سيكون محميا سنيّا من نادي رؤساء الحكومات، أم انه سيتعرّض لقصف غير مباشر عن طريق دخول بعض رؤساء النادي في مواجهات مع العهد وتياره لإحراجه؟

 

لن تكون مهمة الرئيس ميقاتي سهلة بالتأكيد، إذ سرعان ما ستتبَدّد رهجة التأليف منذ الاجتماعات الأولى للحكومة، خصوصاً ان أولوية ميقاتي الانقاذية تختلف عن أولوية العهد التوريثية. فالحكومة، ويا للأسف، لن تتحوّل إلى ورشة عمل بسبب اختلاف أجندات مكوناتها، وتحديداً أجندة رئيس الجمهورية المغايرة عن أجندة رئيس الحكومة، حيث يبدّي الأول الجانب السلطوي على اي شيء آخر (والدليل أشهر التأليف الطويلة) غير عابئ بوضع البلد والناس، وغير مستعد لتوقيع مراسيم التأليف قبل ان يضمن حصته، وهذا الجانب سيصبح أكثر فأكثر فاقعاً، إذ بقدر ما تقترب ولايته من نهايتها، بقدر ما يرتفع منسوب سلطويته الذي يشكّل أساساً أولويته، فيما الثاني يريد ان يحقِّق شيئا للناس لأن فشله يعني ان الثالثة ثابتة، اي ان حكومته الثالثة هي آخر حكومة يترأسها، خصوصا عشيّة انتخابات نيابية ومَزاجٍ عام مُغاير، بينما نجاحه سيجعل وجوده في السرايا هو القاعدة لا الاستثناء، فضلا عن حسابات قوى أخرى وتصفية حسابات في مرحلة مفصلية سياسيا.