إذا كانت الصفة الرئيسية للحكومة الجديدة هي حكومة الإنتخابات النيابية، فإن مصادر سياسية مطلعة وجدت أن هذه الحكومة قد أتمّت ما هو مرسوم لها على هذا الصعيد من خلال خطوتين :الأولى تتعلق بالتوافق السياسي الذي أدى إلى تأليفها والثاني من خلال الثقة النيابية شبه الكاملة التي حصلت عليها من المجلس النيابي أول من أمس، ما يجعلها على السكة الصحيحة من أجل إتمام الإستحقاقات الإنتخابية والتي لن تقتصر فقط على الإنتخابات النيابية، بل ستطال الإنتخابات البلدية والإختيارية، وفق ما أعلن رئيسها نجيب ميقاتي بعد دقائق على صدور مراسيم تشكيلها.
وكشفت المصادر أن ولادة الحكومة قد قطعت الطريق على كل السيناريوهات التي كان يجري نسجها والتي تهدف إلى تطيير الإستحقاق الإنتخابي النيابي بالدرجة الأولى، كما الإستحقاقات الأخرى، وذلك من خلال واقع الإنهيار الذي كاد أن يشلّ المؤسسات الرسمية ويعطّلها الواحدة تلو الأخرى وحتى الأمنية والعسكرية منها. ولذا فإن نجح ميقاتي في تحقيقه عبر التسوية الحكومية، لا يقتصر فقط على تشكيل الحكومة بل يتخطى هذه الخطوة إلى منع الإرتطام الكامل وانهيار المؤسسات وتهديد حياة كل اللبنانيين بفعل الفقر والغلاء وانعدام الخدمات على أنواعها وتالياً تفريغ لبنان من مواطنيه بفعل الهجرة المتزايدة في الأشهر الماضية.
وانطلاقاً مما تقدّم، لاحظت المصادر السياسية المطلعة أن الساحة الداخلية قد دخلت ومع ولادة الحكومة بسرعة في مدار الإنتخابات النيابية، وتحولت مداخلات النواب في جلسة الثقة النيابية الى ما يشبه المزايدات الإنتخابية، مع العلم أن الحكومة ما زالت في بداية المشوار ولم يبدأ وزراؤها العمل بعد، باستثناء رئيسها الذي نشط على أكثر من ملف في الأيام القليلة الماضية، ويستعد لزيارة فرنسا خلال يومين.
وبصرف النظر عن الأدوار التي لعبتها عواصم القرار الغربية وفي مقدمها العاصمة الفرنسية لإنجاز الحكومة سريعاً، فإن المصادر لفتت الى دور محلي لا يُستهان به، في الواقع، بضرورة إعادة تشكيل السلطة والخروج من حال الشلل من خلال الحكومة أولاً والإنتخابات النيابية ثانياً ولكن شرط أن يجري هذا الإستحقاق في موعده الدستوري وليس قبله. وبالتالي فإن الإنتخابات في العام المقبل، ستحصل ولكن ليس بنتيجة الضغط الدولي أيضاً، بل من خلال توافق سياسي محلي، تماماً كما حصل قبل تأليف الحكومة، ما سمح بولادتها.
وتحضيراً لهذا الموعد الإنتخابي البارز فإن المصادر السياسية نفسها، كشفت عن تحريك الماكينات الإنتخابية لكل القوى السياسية والحزبية على امتداد الأراضي اللبنانية، بحيث بات كل خطاب أو خطوة أو إجراء حزبي مهما كان بسيطاً ومناطقياً، يأخذ في الإعتبار المردود الذي سيحققه على مستوى التنافس الإنتخابي في العام المقبل.
ومن هنا، يبدو واضحاً حجم الإستنفار على كل الجبهات والمحاور السياسية والحزبية، وذلك في إطار التعبئة والتجييش وشدّ العصب الطائفي والمذهبي، على حد قول المصادر التي أكدت أن ربط النزاع الذي كان قائماً لفترة طويلة بين «تيار المستقبل» وحزب الله على سبيل المثال، قد سقط بالأمس في الأونيسكو ، وهذه المعادلة تنسحب أيضاً على الأطراف الأخرى التي انزلقت اليوم إلى مرحلة جديدة من التراشق الكلامي والسجالات ذات الطابع الإنتخابي، والتي لا تستهدف سوى تحقيق النقاط على طريق الحشد والحملات الإنتخابية المُبكرة وإن كانت الإنتخابات ستجري في موعدها الدستوري في أيار المقبل.
وخلصت المصادر الى إدراج غالبية المواجهات السياسية والمالية والإقتصادية وحتى الأمنية، في سياق الخطاب الإنتخابي لإعادة شدّ عصب الجمهور في مرحلة صعبة مالياً وتفترض التركيز على المواقف والحملات الإعلامية والوعود وليس على المجهود الفعلي والإنجازات.