IMLebanon

لبنان والمواجهة: يكون أو لا يكون

 

 

حال لبنان اليوم أخطر من الحال التي دفعت اللبنانيين الى الشوارع والساحات العام 2019 وأحيت الأمل بولادة مواطنين عابرين للطوائف والمناطق. والمافيا السياسية والمالية والميليشيوية الحاكمة والمتحكمة التي تمكنت بكل الوسائل من تفكيك “الثورة” بعد احتوائها تبدو اليوم أكثر “إستفراساً” في اللعب على المكشوف بلا أقنعة، اللعب لمنع أي تغيير في “ستاتيكو” الهيمنة الفئوية والإقليمية، وأي كشف للحقائق في الجرائم المالية والسياسية والأمنية الكبيرة، لعب الخائف من الخسارة “المستقتل” للحفاظ على الربح وضمان المزيد منه. والساعة دقت للمواجهة الشاملة.

 

ذلك أن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي محكومة بأن تبقى خارج اللعبة الكبيرة والصمت على ما يدور فيها. فهي الحكومة التي جاءت بها المافيا. وهي ممنوعة من ممارسة “النأي بالنفس” عن صراعات المنطقة، ومطلوب منها العمل “البلدي” والسكوت على “إقحام النفس” في صراع المحاور والحفاظ على “النأي بالنفس” عن مواقف الأطراف التي تهدد علاقات لبنان العربية والدولية. فلا جيء بها لوقف الجريمة المستمرة التي يرتكبها مصرف لبنان بالسطو على ما بقي من أموال المودعين، بالتعاميم اللاقانونية لسد خسائره وخسائر المصارف جراء المقامرة بالودائع وإرسال الأرباح الى الخارج، ولا لحماية المحقق العدلي في جريمة إنفجار المرفأ من التهديد، وضمان ما يطلبه اللبنانيون ومجلس الأمن الدولي من “تحقيق سريع مستقل حيادي شامل وشفاف”. ولا طبعاً لاستعادة لبنان من “محور الممانعة” الذي هو الإسم المستعار للمشروع الإقليمي الإيراني.

 

وليس أمراً قليل الدلالات أن تدفع حراجة اللعب “حزب الله” الى أن يمارس علناً “غطرسة القوة”. ولا خارج التوقعات أن يندفع حليفه في “تفاهم مار مخايل” وأصدقاؤه وخصومه من الوزراء والنواب المطلوبين للتحقيق في انفجار المرفأ لأن يمارسوا “غطرسة الضعف”. فالمسؤول الأمني في “حزب الله” يهدد علناً المحقق العدلي الشجاع طارق البيطار بـ”القبع”. والخائفون من التحقيق يستخدمون القانون لكف يد المحقق. والمسؤول السياسي البارز يهدد كل من يحاول تغيير الأكثرية النيابية عبر الإنتخابات المقبلة، كأن الحصول على الأكثرية “مؤامرة” وليس أساس اللعبة الديموقراطية بالنسبة الى الأحزاب والتيارات.

 

“أبطال” السطو على أموال المودعين محميون في مراكزهم بلا مراقبة ولا محاسبة، ومطلوب منهم بعدما قادونا الى أسوأ أزمة مالية وإقتصادية أن يتولوا “الإنقاذ”. والعمل المنهجي لإلغاء هوية لبنان وتاريخه وتراثه مستمر من مواقع داخل السلطة وخارجها. القضاء تحت رحمة القدر بلا حماية. وفوق “سيد نفسه” و”سادة” القصور “سيد” لا شيء يمشي داخل السلطة من دون رأيه.

 

ومن هنا ضخامة التحديات. فالأزمات العميقة والمشاريع الكبيرة والسياسات الصغيرة أوصلت لبنان الى المعادلة الوجودية: أن يكون أو لا يكون. والسؤال هو: أين اللبنانيون الذين ملأوا الشوارع والساحات محققين قول ألكسيس دوتوكفيل: “كل جيل هو شعب جديد”؟ أليس ثمن الصمت أكبر من ثمن المواجهة؟

 

الرجاء هو ألا ينطبق علينا قول مارك أوجي: “قل لي ماذا نسيت أقل لك من أنت”.