Site icon IMLebanon

هل تبدأ الحكومة الإصلاح من الداخل..؟

 

 

ما زالت الحكومة الميقاتية تتلمس طريق الانطلاقة المنتظرة، محاولة التغلب على الرياح القوية التي تواجهها من الداخل والخارج على السواء، وتحول دون تحقيق الحركة المتوقعة بالزخم اللازم لتسريع خطوات الإنقاذ.

 

داخلياً، تطغى الحسابات الانتخابية على ما غيرها من اعتبارات العمل والإنجاز، بالنسبة لكل القوى السياسية والحزبية، حتى البطاقة التمويلية ما فتئت أسيرة الحسابات الحزبية الضيّقة التي تسعى للاستئثار بالمكاسب الشعبية للبطاقة التي أصبحت لا تُسمن ولا تُغني من جوع، بعد الارتفاعات الجنونية في أسعار السلع الغذائية والمحروقات.

 

خارجياً، الدول المانحة تزداد إصراراً على موقفها القاضي بربط فتح باب المساعدات بالإصلاحات الموعودة، من الحكومات اللبنانية المتعاقبة، وما قدمته من برامج لوقف الهدر ومحاربة الفساد، وكان آخرها ما إلتزمت به حكومة الحريري في مؤتمر سيدر في أيار ٢٠١٨، والذي لم يتحقق منه حتى الآن بند واحد!

 

وتكاد هذه المسألة تتحوّل إلى الدوران في حلقة مفرغة، على طريقة بيضة المساعدات أولا، أم دجاجة الإصلاحات، على اعتبار أن الإصلاحات في الكهرباء وقطاعات حيوية أخرى تحتاج إلى أموال غير متوفرة في خزينة الدولة، وبالتالي تحتاج إلى الدعم المالي الفوري لإطلاق ورشة الإصلاحات، في حين أن الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية فاقدة الثقة بالدولة اللبنانية وبالمنظومة السياسية الفاسدة، وتطالب بتحقيق الإصلاحات قبل تقديم المساعدات.

 

وأخشى ما نخشاه أن تتحوّل هذه الحلقة المفرغة إلى مصيدة للحكومة الميقاتية، لإجهاض خطواتها الإنقاذية والإصلاحية، وإلهائها بوحول الزواريب السياسية، عبر خطابات شعبوية، ومزايدات طائفية، يستعملها البعض وقوداً للحملات الإنتخابية المنتظرة، وعلى حساب القرارات غير الشعبية التي تتطلبها خطط الإنقاذ والإصلاح.

 

وبانتظار العودة إلى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في ملف المساعدات الخارجية، يمكن للحكومة أن تبدأ بسلسلة خطوات إصلاحية في الداخل، ولو كانت صغيرة، للتأكيد على التصميم الجدي للمضي قدماً في طريق الإصلاح مهما كانت الصعوبات.

 

ماذا يمنع الحكومة، مثلاً، من الإسراع في تعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء وإعادة الصلاحيات الكاملة لها، تجاوباً مع نصائح المؤسسات المالية الدولية؟

 

واستطراداً، هل تستسلم الحكومة للمحاصصات السياسية التي تعرقل تعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة الكهرباء، يُعيد تنظيم العمل في هذه المؤسسة الحيوية بعد ١٥ سنة من الفراغ القاتل، والذي أدى إلى هذا التدهور في الكهرباء التي تسببت بنصف المديونية العامة تقريباً؟

 

لماذا لا تبدأ الحكومة، وبالاتفاق مع رئاسة مجلس النواب في إعادة النظر بالمعاشات التقاعدية للنواب السابقين، وحصرها فقط بالعائلات المحتاجة منهم؟

 

ماذا يمنع من درس نظام جديد للرسوم والضرائب، يكون أكثر عدلا من النظام الحالي الذي يتحمل وزره صغار المستثمرين، ويُبقي حيتان المال النافذين من أصحاب الإستثناءات غير المحقة؟

 

لماذا لا تعلن الحكومة وضع يدها على مرفأ بيروت، والمرافئ الأخرى، ومطار بيروت لتمنع حالات التسيّب والتهريب التي تتم في وضح النهار لمصلحة الأطراف السياسية النافذة وأزلام الأحزاب، وتوفير مليارات الليرات شهرياً للخزينة المفلسة، عوضاً عن ذهابها إلى جيوب المحاسيب وصناديق الأحزاب النافذة؟

 

ألا يستحق الوضع المالي المتردي للدولة وضع خطة تقشف سريعة في وزارة الخارجية، لا توقف الهدر والسرقات فحسب، بل تُعيد النظر ببعض النفقات غير المجدية، بما في ذلك إعادة تقييم خريطة الإنتشار الدبلوماسي والقنصلي في العالم، وإقفال بعض السفارات والقنصليات في بعض البلدان، وتخفيض المخصصات للقناصل والسفراء في بلدان أخرى؟

 

وماذا عن خطط ترشيق الإدارة، وإنقاذها من جحافل الموظفين والعاملين العاطلين عن العمل، ولا مهمة لديهم غير قبض رواتبهم في آخر كل شهر؟

 

ومن نافلة القول التذكير أن مثل هذه الخطوات الجدية، من شأنها أن تُحرّك المياه الراكدة في الداخل، وتُشكل حافزاً للدول المانحة للتعاطي بجدية مع الوضع اللبناني الجديد، وتساعد على الإفراج عن بعض المساعدات الأوروبية، ريثما تزول الغيوم التي تعتري علاقات لبنان مع الأشقاء الخليجيين، وتعود الإمور إلى مجراها الطبيعي، بعد عودة لبنان إلى الصف العربي، وعودة الدول الخليجية إلى وطن الأرز.

 

الخروج من نفق جهنم يتطلب مساراً طويلاً ومرهقاً… ولكنه يبدأ بخطوة.

 

فهل تُقدِم الحكومة على الخطوة بجسارة وتتغلب على رياح العرقلة والمماطلة والتردّد؟