IMLebanon

نجيب ميقاتي وصعوبة صنع الفارق!  

 

ليس في الإمكان أفضل مما كان في ظلّ ظروف إقليميّة معقدة وغياب أيّ رغبة دوليّة وعربيّة في مساعدة لبنان. الأهمّ من ذلك كلّه، غياب رغبة اللبنانيين في مساعدة أنفسهم، كي يتمكّن الآخرون من مساعدتهم.

 

تشكّلت حكومة نجيب ميقاتي، بالطريقة التي تشكّلت بها، كي تعكس واقعاً داخليّاً وإقليمياً ودولياً لا يمكن الهرب منه. يتمثّل هذا الواقع في الاندماج الكامل بين الدولة اللبنانيّة ومؤسساتها من جهة و»حزب الله»، الذي ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني من جهة أخرى. هذا ما اعترفت به فرنسا ورضخت له عبر رئيسها ايمانويل ماكرون الذي لعب دوراً مهمّاً في تسهيل تشكيل حكومة لبنانيّة بعد انتظار استمرّ 13  شهراً.

 

لا علاقة للحكومة اللبنانيّة الحاليّة بالمبادرة الأصليّة للرئيس الفرنسي التي أطلقها في أثناء زيارتيه المتتاليتين لبيروت في آب –أغسطس  والأول من أيلول- سبتمبر   2020 بعد تفجير مرفأ العاصمة اللبنانية وفي مناسبة مرور مئة عام على إعلان دولة لبنان الكبير.

 

يُضاف إلى ذلك كلّه أنّ لا اهتمام أميركيّاً بلبنان بوجود إدارة جو بايدن التي تثبت يوميّاً أن سياستها الخارجيّة من النوع المضحك المبكي. إنّها إدارة لا تعرف ما هي إيران، وما هي طبيعة أدواتها في المنطقة. تريد الحدّ من طموحاتها من جهة واسترضاءها من جهة أخرى. ظهرت حقيقة إدارة بايدن من خلال حدثين في غاية الأهمّية أوّلهما طريقة الانسحاب من أفغانستان، والآخر قطع الطريق على صفقة الغواصات الفرنسيّة مع أستراليا، وهي صفقة تقدّر قيمتها بـ56 مليار يورو. سيكون صعباً إعادة المياه إلى مجاريها بين فرنسا والولايات المتحدة وذلك على الرغم من الجهود التي يبذلها وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن. تقول الإدارة الأميركيّة الحالية الشيء وتفعل ضدّه. تريد إعادة الحلف الأميركي –الأوروبي ولا تجد قليلًا من الوقت للتفاهم مع فرنسا قبل الدخول في حلف آخر انغلو –ساكسوني مع أستراليا وبريطانيا بحجّة مواجهة الصين!

 

لا سياسة أميركية تجاه إيران  ولا تجاه العراق وسوريا. لا تريد حتّى الاعتراف بالخطر الحوثي في اليمن وأبعاد قيام كيان يدور في الفلك الإيراني في شبه الجزيرة العربيّة. لماذا، إذاً، توقع أن تكون هناك سياسة أميركيّة تجاه لبنان الذي كان رئيسه ميشال عون مرشّح «حزب الله» الوحيد لرئاسة الجمهوريّة.

 

من الطبيعي ترك لبنان لمصيره ولحكومة، أقلّ ما يمكن أن توصف به، أنّها تركيبة من صنع «حزب الله» وذلك على الرغم من أنّ نجيب ميقاتي سعى وسيظلّ يسعى من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه في ضوء ما يعرفه عن الوضع الداخلي والعربي والدولي.

 

لا يمكن توقّع سوى القليل من الحكومة اللبنانية الجديدة التي ستُعد لانتخابات عامة لا يمكن أن تأتي بمجلس نيابي أفضل من المجلس الحالي، أقلّه لسببين. الأوّل القانون الانتخابي الذي وضعه «حزب الله» ليكون على قياسه. أمّا السبب الآخر، فهو يكمن في غياب أيّ قدرة على تشكيل جبهة مقاومة وطنيّة تقف سلميّاً في وجه السلاح غير الشرعي والميليشيا المذهبيّة التي اسمها «حزب الله».

 

بانتخابات أو من دون انتخابات ستبقى الأكثريّة في مجلس النوّاب أكثريّة إيرانيّة، على حد تعبير قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني الذي تطرّق إلى هذا الموضوع بعيد انتخابات أيّار –مايو 2018 التي انتجت المجلس النيابي الحالي.

 

في النهاية، لبنان بلد رئيس جمهوريته ميشال عون ويحكمه «حزب الله». هذا هو الواقع القائم في غياب من هو قادر على تغييره. كان اغتيال المفكّر والناشط السياسي اللبناني لقمان سليم في الرابع من شباط –فبراير الماضي، في أثناء زيارة لأصدقاء له في جنوب لبنان، اختباراً لإدارة جو بايدن. لم تحرّك هذه الإدارة ساكناً بعد إسكات صوت أحد القريبين من مؤسسات البحث الأميركية في لبنان. فتح هذا السكوت شهيّة «حزب الله» إلى مزيد من وضع اليد على القرار اللبناني في غياب من يعترض، ولو بالكلام، على تصرّفاته.

 

أمّا فرنسا، فقد انصاعت كلّياً للأكثريّة الإيرانية في مجلس النوّاب. قرّرت بدورها الاعتراف بأكثريّة قاسم سليماني الذي اغتاله الأميركيون، في عهد دونالد ترامب، بعيد مغادرته مطار بغداد في الثالث من كانون الثاني –يناير 2020. لم تعد فرنسا سوى شاهد زور على ما يجري في لبنان، خصوصاً بعدما تبيّن أن الحديث عن عقوبات أوروبيّة أو فرنسيّة على شخصيّات لبنانيّة لا يقدّم ولا يؤخر… بل مجرّد كلام بكلام.

 

في ضوء كلّ هذه السلبيات اللبنانيّة ووجود وزراء في الحكومة، من بين أسوأ المتزلّفين للنظام السوري وأجهزته، لا يزال السؤال المطروح هل يستطيع نجيب ميقاتي صنع فارق ما؟

 

الأكيد أن اليد الواحدة لا تصفّق. على الرغم من ذلك، لا مجال آخر سوى الرهان على احتمال حصول فارق بسيط، بواسطة نجيب ميقاتي، في انتظار نهاية «العهد القويّ» الذي يسعى إلى نسف اتفاق الطائف أو ما بقي منه بعدما صار تعطيل تشكيل الحكومات ميزة من ميزات العهد وهواية من هواياته. فكل ما شهده الأسبوع الأخير ليس سوى محاولة من الثنائي ميشال عون  –جبران باسيل لإقناع المسيحيين أن حقوقهم باتت محفوظة. عكس اجتماع مجلس الدفاع الأعلى في قصر بعبدا رغبة لدى الثنائي في إظهار أن في استطاعته الاستغناء عن الحكومة. أمّا الصيغة التي استخدمت للإعلان عن تشكيل لجنة تتفاوض مع صندوق النقد الدولي، فهي اتخذت شكلاً استعراضياً مضحكاً لا هدف منه سوى تأكيد أن اتفاق الطائف صار من الماضي.

 

ستكون الأشهر الـ13 الباقية من عمر العهد أشهراً صعبة، خصوصاً أن الهمّ الوحيد لرئيس الجمهورية توريث جبران باسيل، فيما سيسعى «حزب الله» إلى تكريس واقع على الأرض اللبنانية لا تراجع عنه. سيعني ذلك أن هامش التحرّك لدى نجيب ميقاتي سيكون ضيّقاً إلى حد كبير، سيكون ضيّقاً إلى درجة ليس معروفاً هل سيتمكن، على الرغم كلّ ما لديه من براعة، في تحقيق فارق ما.