أهل السلطة مشغولون بالألعاب الصغيرة داخلها، في حين تدور اللعبة الكبيرة على مصير لبنان. وليس الإنتقال من مبالغة رؤساء الحكومات بعد الطائف في قضم صلاحيات الرئيس ومجلس الوزراء الى مبالغة رئيس الجمهورية في تكبير صلاحياته على حساب مجلس الوزراء ورئيسه سوى حركة على الهامش. فما انكشف بعد أيام قليلة من عمر الحكومة هو أوهام الرهانات الداخلية والخارجية على دورها في إخراج لبنان من الحفرة العميقة وقدرتها على أن تستعيد ثقة العرب والغرب ومعها المساعدات. وما لم يكن محل رهانات أصلاً هو أن تواجه الحكومة اللعبة الكبيرة الخطيرة.
غير أن ما فوجئ به الأبرياء من التجارب هو صمت الحكومة ورئاسة الجمهورية على المحاولات المكشوفة للإمساك بكل مفاصل السلطة والتحكم بالبلد وسوقه الى”محور الممانعة”. لا بل إن “حزب الله” لم يجد ما يحرجه في تصنيف اللواء علي غلام رشيد قائد “مقر خاتم الأنبياء” له كواحد من “ستة جيوش” نظمتها إيران كقوة ردع ودفاع عنها.
وإذا كان “عرّاب” الحكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أبلغ رئيسها نجيب ميقاتي بوضوح أنه “لا مساعدات بلا إصلاحات”، فإن الإصلاحات التي يطلبها اللبنانيون والمجتمع الدولي تبدو مهمة مستحيلة. فهي تصطدم أولاً بمصالح المافيا الحاكمة. وهي تصطدم ثانياً بحسابات القوى التي تدير اللعبة الكبيرة على مصير لبنان. وأقصى ما يمكن توقعه هو قليل من الإصلاح لمنع التغيير. شيء من التكشير عن الأنياب للحؤول دون أي فرصة لشيء من التغيير نحو الأفضل في الإنتخابات النيابية. لا فقط لمنع تغيير الأكثرية التي يقودها “حزب الله” والعهد بل أيضاً للسير خطوة خطوة على المسار لتغيير هوية لبنان ودوره وموقعه الجيوسياسي.
ومن المفارقات أن الطرف القوي صار خائفاً على ما في يده وما يريده في مرحلة التحولات الإقليمية، والطرف الضعيف صار مخيفاً وهو خائف. ومنها أيضاً أن المجتمع الدولي المتهم بالتخلي عن لبنان يبدو أكثر إهتماماً بنا من حكامنا، إذ هو يريد إخراجنا من الحفرة العميقة ونحن نكمل الحفر. والساعة دقت لأن تدرك التركيبة الحاكمة والمتحكمة إستحالة أن تستمر في العيش على شعار: ساعدونا لكي نسرق. أقرضونا لنتقاسم المال ونضعه في الخارج.
لكن الوقت حان لشيء أهم هو وقفة مع الذات ومع الشقيق والصديق، ومع الطرف العامل من أجل التغيير الخطير في طبيعة لبنان. وقفة مع الذات للعمل على التغيير نحو الأفضل. وقفة مع الشقيق والصديق للسؤال عن معنى معاقبة لبنان المخطوف والحوار مع قائد خاطفيه. ووقفة مع المندفع في القبض على لبنان للتبصير بعاقبة المبالغات، والرهانات على تحولات في المنطقة لمصلحة إيران، في حين أن المنطقة ذاهبة الى مرحلة صراعات معقدة.
وعلى من يتصوّر أنه يستطيع تصحيح التاريخ وتغييره، أن يتذكر ما سمّاه هيغل”مُكر التاريخ”.