IMLebanon

الحكومة دخلت في «تصريف الأعمال»!

 

 

تشكو شركة «لازار» وصندوق النقد الدولي التأخّر في تسليمهما الأرقام من وزارة المالية ومصرف لبنان، لتحديث المعطيات الرقمية الواردة في خطّة التعافي التي سيبنى عليها لتجديد الخطّة أو نسفها جذرياً. أداء الحكومة يوحي بأنّها غير جدية في وضع إطار للخروج من الأزمة وإيجاد حلّ، بل تستعجل الدخول في مرحلة الانتخابات النيابية

 

سوّقت حكومة نجيب ميقاتي أنها ستعمل للتخفيف من تداعيات الانهيار، وبأنّ واحدة من أدواتها لتحقيق ذلك، الإسراع في الاتفاق مع صندوق النقد، عبر تصويره «الخلاص الوحيد» لوضع حدّ للأزمة. إلا أنّه يبدو أنّ ميقاتي يُريد استخدام «التفاوض» كعنوانٍ عريض لخوض الانتخابات النيابية، من دون التوصّل إلى اتفاق نهائي مع المؤسسة المالية الدولية، وفي الطريق محاولة تحقيق «خروقات» بسيطة، كتحسين التغذية الكهربائية. فالحكومة نفسها لا تُظهر جدّية في العمل على تحديث أرقام خطة التعافي التي زعم ميقاتي وغيره من الوزراء والمسؤولين أنّه سيقوم بها. وميقاتي يُسمع كلّ فريق ما يُحبّ أن يسمعه؛ أمام رئاسة الجمهورية يذكر «تحديث الأرقام». أمام حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، يتكلّم عن «نسفٍ للخطة السابقة». وبعد استقباله ممثل المجموعة العربية في صندوق النقد الدولي والمدير التنفيذي فيه، محمود محي الدين، قال إنّ الحكومة «باشرت إعداد خطة التعافي المالي والاقتصادي التي تتضمّن الإصلاحات الأساسية في البنية الاقتصادية والمالية»، أي عملياً وضع خطة جديدة. لكن حتّى هذا الأمر بحاجة إلى أرقام لتحديد الخسائر. وهي الأرقام التي طلبتها شركة «لازار» (المستشار المالي للدولة) منذ 30 أيلول، من دون أن تُسلّمها إياها وزارة المالية بعد. يُبرّر الوزير يوسف خليل ذلك لسائليه بأنّ 4 من الموظفين في المركز الآلي للوزارة غائبون عن العمل، والنقص في عدد الموظفين هو السبب في التأخير.

 

العرقلة لا تنحصر عند هذا الحدّ. بحسب معلومات «الأخبار»، فإن صندوق النقد الدولي يشكو أيضاً من أنّه طلب من مصرف لبنان تسليمه أرقاماً جديدة، لم يحصل عليها بعد. وخلال جولته على المسؤولين السياسيين في اليومين الماضيين، أبدى محي الدين امتعاضه من التأخّر «في تسليم الأرقام اللازمة لتحديث الخطة، مُعتبراً أنّه لم يعد ممكناً المماطلة في ذلك»، بحسب أحد الذين التقاهم. وأعاد محي الدين التشديد على أنّ «إعادة هيكلة القطاع المصرفي بشكل عام، وتحديد دور المصارف في المرحلة المقبلة، جزء أساسي من الخطة». وفي الوقت نفسه، استغرب «رفع الدعم عن استيراد المواد الحياتية الأساسية قبل إقرار البطاقة التمويلية، مُشدّداً على أنّ الأوضاع تُحتّم وضع نظام حماية ورعاية اجتماعية، وإقرار القوانين التي تُعزّز الشفافية داخل الإدارة».

بالنسبة إلى محي الدين، من الممكن إتمام العمل على اتفاق إطار، أو اتفاق أولي بين لبنان و«الصندوق»، قبل نهاية العام الجاري إذا تمّ تسليم الأرقام. ما هو غير ممكن، وفق ما يُنقل عن المسؤولين عن ملفّ لبنان في صندوق النقد، إتمام الاتفاق النهائي قبل الانتخابات النيابية. إلا أنّ أحد المسؤولين في اللجنة الوزارية يعتبر أنّ جولة محي الدين والتواصل مع ممثلي الصندوق «يعكس جدية وانفتاحاً على الاتفاق مع لبنان». ويؤكد بأنّ أحداث الأسبوع الماضي «لم تؤثّر بأي شكلٍ من الأشكال في سير العمل، فقد عقدت اللجنة الوزارية المكلفة تحديث خطة التعافي والتفاوض مع صندوق النقد الدولي اجتماعاً أول من أمس».

 

صندوق النقد أبلغ المسؤولين في الحكومة أن لا اتفاق قبل انتخاب المجلس النيابي

 

 

يُقارن أحد الوزراء بين الحكومة السابقة برئاسة حسّان دياب والحكومة الحالية، من منطلق أنّه في «العام الماضي، لم يكن مجلس الوزراء تحت ضغط تأمين المازوت لتشغيل كهرباء لبنان، ولا أزمة اعتمادات البنزين، انخفض الاستيراد كثيراً نتيجة انتشار وباء كورونا، ولم نشهد خضّات أمنية. انصبّت جهود الحكومة باتجاه بندٍ واحد هو إعداد خطة التعافي، وعلى رغم ذلك استمر العمل لإنجازها شهرين. فكيف ستتمكّن الحكومة الحالية من تحقيق مهمتها؟». حديثه يقود إلى خلاصة أنّ «الجمود الحكومي سيؤدّي إلى تعطيل بتّ المسائل الأساسية. حتى ولو تابع الوزراء أو اللجان الفرعية تحضير ملفاتهم، لكنها لن تتبلور إلى مستوى إقرار مسودات العمل».

في الإطار نفسه، يقول الوزير محمد مرتضى إنّ «اللجان المُصغّرة تستمر بمهامها، ولكن ما هي أولوية مجلس الوزراء حالياً؟ الحفاظ على أمن البلد واستقراره». يتحدّث مرتضى عن جلسة الثلاثاء 12 تشرين الأول «حين ناقشنا داخل الحكومة تكليف وزير العدل هنري خوري التأكد ما إذا كان هناك خلل يشوب أداء المحقق العدلي طارق البيطار لإجراء المقتضى، وفقاً لصلاحيات الوزير. هناك اتفاق وتوافق وتفهّم داخل مجلس الوزراء وبين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على أنّ التحقيقات في انفجار المرفأ تسمو بدقتها وأهميتها وحساسيتها وتداعياتها على أي أمر آخر».

الملفات المُستعجلة أمام الحكومة عديدة، كانت تفترض وجود ورشة عملٍ دائمة: تأمين الحماية الاجتماعية وإقرار البطاقة التمويلية لتخفيف أثر الانهيار على الفئات الأكثر هشاشةً في المجتمع، تأمين وسائل الطاقة والنقل المشترك، معالجة أزمة أسعار الصرف، إعادة إطلاق العمل المصرفي، ترسيم الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة… وكلّ ذلك يندرج ضمن إطار وضع خطة «إنقاذ اجتماعي – اقتصادي – مالي». إلا أنّ شهراً و10 أيّام مرّت منذ إعلان مرسوم تشكيلها، لم تُظهر خلالها الحكومة أداءً يُلاقي حالة الطوارئ المفروضة على البلد، وكأنّها دخلت في حالة تصريف الأعمال مُبكراً. لم يكن ينقصها سوى مجزرة الطيونة الخميس الماضي، حتى يتعطّل مجلس الوزراء نهائياً. فرئيس الحكومة «لن يدعو الوزراء إلى الاجتماع، قبل التوصّل إلى حلّ سياسي، وإعادة تصويب الأمور في تحقيقات انفجار المرفأ»، وفق ما يؤكّد عددٌ من الوزراء.