IMLebanon

من أين تبدأ حكومة «معاً للإنقاذ» وما معنى الحزم في الحكم؟

 

بين أصفار البوليفار وتوحش أرقام الدولار

 

بين نيل حكومته الثقة وموعد استحقاقات دفع السندات الأجنبية في 9 آذار من العام 2020، أعلن الرئيس السابق للحكومة حسان دياب (وهو اليوم خارج البلاد، وملاحق بالادعاء عليه في انفجار مرفأ بيروت في 4 آب من العام نفسه) أن لبنان لن يدفع 1.2 مليار دولار من السندات الأجنبية المستحقة. وعزا الإمتناع عن الدفع إلى عدم القدرة بعدما بلغت احتياطات البلاد من العملة الصعبة مستويات حرجة وخطيرة مع الحاجة لتلبية احتياجات اللبنانيين الأساسية.

 

وتساءل حينها دياب، وهو يتكلم من السراي الكبير، بين أعضاء الحكومة التي كان يرأسها: كيف يمكننا أن ندفع للدائنين في الخارج واللبنانيون لا يمكنهم الحصول على أمولهم من حساباتهم المصرفية؟

 

وفي توصيفه للحالة في البلد، قال دياب وقتها أن  «الدين العام في لبنان وصل إلى أكثر من 170 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مما يعني ان البلاد على وشك ان تكون الدولة الأكثر مديونية في العالم».. فهو تخطى (أي الدين) الـ90 مليار دولار.

 

وفي التوصيف أيضاً، والكلام لرئيس الحكومة السابق، و«بحسب توصيفات البنك الدولي، فإن أكثر من 40٪ من السكان قد يجدون أنفسهم تحت خط الفقر».

 

وفي الشق الاقتصادي- المالي المصرفي، لاحظ دياب: أننا لا نحتاج قطاعاً مصرفياً يفوق بأربعة أضعاف حجم اقتصادنا».

 

وبثقة بالنفس سرعان ما تلاشت، قال دياب: سنعمل على حماية الودائع في القطاع المصرفي، خاصة صغار المودعين، الذين يشكلون 90٪ من إجمالي الحسابات المصرفية».

 

في الواقع، محض صدفة، قادتني، للإطلاع على كلام دياب، ولكن كما يقال، رب صدفة خير من ألف ميعاد.

 

لم ترق تجربة دياب لأحد، فالرئيس الحالي للحكومة نجيب ميقاتي، انتقد في أكثر من مناسبة الإمتناع عن سداد الديون، حتى الخطة الاقتصادية، التي أطلق عليها حينها خطة التعافي الاقتصادي، تتحدث المعلومات عن اتجاه لديه لنسفها من أساسها، فضلاً عن نظرته المتشائمة، للواقع المصرفي. ومع ذلك فالرجل لا يتحدث عن «تركة ثقيلة»، ولا عن من يحزنون.

 

والسؤال في ظل ما آلت إليه الانهيارات في فترة رئاسة دياب للحكومة، والمسألة لا تندرج هنا، في إطار التشفي، بل في إطار الشيء بالشيء يذكر، السؤال، كيف لحكومة ميقاتي أن تخرج البلد من «فم الانهيار»، وضمن أية رؤية، تساعد، على التماس طريق «بداية الخروج» إمَّا من «فم النمر» المفترس أو من حضيض الهاوية، التي حفرت عميقاً؟

 

نظرة سريعة على البدايات المشجعة، تجعل المراقب يميل أكثر إلى توقع الخروج من «فم النمر» والتماس طريق لاستعادة جزئية للصحة الاقتصادية مثلاً، أو للانتظام العام.

 

من أين البداية؟ البعض يصرُّ على أن الطريق الأقصر، هي الطريق المالية، فما دامت الأسباب والمظاهر، تتعلق بالمديونية وفقدان العملات الصعبة، وتناقص الاحتياطي الإلزامي، والبلبلة في عمل المصارف، وحقوق المودعين، هذه الطريق تكمن في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. إذاً، هو خشبة الخلاص أو قطار الإنقاذ المالي السريع..

 

ولكن ثمة أسئلة في الأفق، بأية شروط ستجري المفاوضات، وما هي حدود التمويل، وكيف يتم تعويم الليرة، بتحرير سعر الصرف أو توحيد سعر الصرف، حتى لو وصل سعر الدولار بالليرة اللبنانية إلى 25 ألفاً.

 

الرهان على المفاوضات، يمكن أن يكون رهاناً في محلّه.. ولكن العبرة تبقى للنتائج وحدها، وتطبيقاتها على الأرض..

 

من زاوية اقتصادية محض، يعتقد الرئيس ميقاتي ان 14 ساعة كهرباء يومياً، من شأنها أن تعيد العافية إلى الاقتصاد، وعمل مؤسسات الدولة، ولتفعيل الإنتاج، وتحريك العجلة الاقتصادية.. هذا جيّد، ولكن ما هو المنظور الزمني، هل شهران، ثلاثة، أم ماذا؟

 

لم تتوضح بعد رؤية العمل لتوفير الكهرباء، وإن كانت التغذية شهدت بعض التحسّن المحفوف بمخاطر انفصال الشبكة في أي وقت، وبنتائج زيارة د. وليد فياض (وهو بالمناسبة عين وزيراً للطاقة، ويصر على كلمة د. لدى المخاطبة) إلى مصر، لمعرفة مآل التزود بالغاز المصري، عبر الأردن وسوريا، بعدما سمحت السفيرة النشيطة في بيروت (والتي تتصرف كأنها بنت البلد أو أم الصبي)، وتدعى دورثي شيا، وهي سفيرة الولايات المتحدة الأميركية، باستجرار الغاز والكهرباء، واستثناء هذه العملية، مما يسمى «بقانون قيصر» الذي يخضع مَن يتعامل مع سوريا الأسد (وهو التعبير الذي كان يستخدمه النائب السابق في إيران وليد جنبلاط لدى اشادته بحكم الرئيس الراحل حافظ الاسد) للعقوبات..

 

حرصت السفيرة التي تجاوزت بالتنسيق زميلتها الفرنسية آن غريو، وراحت تلتقي الوزراء والسفراء، فرادى لدى كل مناسبة أو زيارة، للبحث في الخطة، وما هو مسموح، وما هو ممنوع، لا سيما، وان السفيرة أبلغت من يعنيه الأمر أن خطوة الاستجرار لا تعني تطبيعاً مع النظام في سوريا.. بل الهدف منع «سقوط لبنان بيد حزب الله أو المحور الإيراني الكامل».

 

ثمة أمل لدى اللبنانيين بتحسن التغذية في غضون فترة زمنية لا تتجاوز نهاية هذا العام..

 

ولكن حرصاً على عدم التعامل على قاعدة «عيش يا كديش (الحصان) تايطلع الحشيش» لا بدَّ من دور يشعر به المواطن تقوم به مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة لجهة حماية عمل الشركة ومنع التعديات عليها، والعودة إلى الجباية، والحزم في تنفيذ برنامج التقنين بالتساوي، وليس بالاستنسابية.

 

في المشهد، ثمة من يراهن على الفرج الآتي من الانتخابات النيابية، بتغيير الأكثرية النيابية، وابعاد «جماعة المحور» عن السلطة بكل مندرجاتها ومسمياتها، بمعنى أخذ المشكلة مجدداً إلى السياسة أو التناحر السياسي..

 

الأزمة ترقص على حبال الدولار والأسعار.. ومن هنا بداية المعالجة، ضبط الدولار أولاً، تأمين الكهرباء، خفض الأسعار، أو على الأقل تجميدها، أو إخضاعها فعلاً لا قولاً إلى سوق العرض والطلب.. وإلَّا وزارات، سنعمل، وسنسعى، وسنعقد اجتماعاً، لا تصل إلى نتيجة..

 

والخشبة من رؤية البلد، في ظل الدعوة إلى ارتفاع الأجور والرواتب، لا تحسينها، في مشهد يشبه «البوليفار» (وهو عملة جمهورية فنزويلا الاشتراكية)، حيث استفاق السكان في كاراكاس على تعديل في عملتهم، بحذف 6 أصفار منها، لتسهيل التعاملات اليومية، في بلد يواجه اضخم تضخم في العالم منذ العام 2005، مع العلم ان فنزويلا دولة نفطية، ويعيش 94،5٪ من الأسر تحت خط الفقر (1.9 دولار في اليوم).

 

بين الوضع في «العملاق النفطي» السابق، ولبنان لا أوجه شبه كثيرة، سوى الحصار الأميركي، مع أن ثمة اقتناع لدى قيادات لبنانية وازنة ان أميركا لا تريد للبنان ان يموت.. ولكن السياسات العشوائية والفساد، والمشاريع الكبرى، خارج الحدود، ما تزال تجعل كثيرين يصرّون على ربط لبنان بفنزويلا؟