IMLebanon

ميقاتي يواجه الحريري «بالإنماء»

 

نشاطان قام بهما الرئيس نجيب ميقاتي نهاية الأسبوع الماضي في طرابلس، لم يحرّكا المياه السياسية والإنمائية الراكدة في عاصمة الشمال وحسب، بل عادا بالذاكرة نحو عشر سنوات إلى الوراء، في مشهد يبدو أن ميقاتي يحاول إعادة تكراره ثانية، مع فارق في العناوين والشعارات.

يوم خرج ميقاتي صيف 2005 من السرايا الحكومية الكبيرة، التي قضى فيها أشهراً قليلة أتاحت له دخول نادي رؤساء الحكومات للمرة الأولى، أخذ لنفسه مسافة بعيدة عن فريقي 8 و14 آذار، رافعاً شعار «الوسطية» بعيداً عن استقطاب الطرفين.

ونجح ميقاتي لاحقاً طيلة السنوات الأربع التالية في خلق حيثية سياسية له، وفي إنشاء تيار سياسي يدور في فلكه، وأجبر تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري على التنازل والتحالف معه انتخابياً عام 2009، «ما شكّل اعترافاً ضمنياً من الحريري بميقاتي، وأن هناك طرفاً في طرابلس ليس ممكناً التعاون معه كتابع له أو رهن إشارته» ، كما تقول مصادر مقربة منه.

التقى ميقاتي الصفدي مرتين الشهر الماضي

أمّا عودة ميقاتي إلى السرايا الحكومية مرة ثانية عام 2011، فدفعت بالحريري إلى شنّ «حرب شعواء» عليه، وصلت إلى حدّ اتهامه بالخيانة. ولم تتوقف الحملة حتى بعد خروج ميقاتي من السرايا وتسليم مقاليد الرئاسة الثالثة للرئيس تمام سلام، وكيلاً عن الحريري.

يعرف ميقاتي، وفق مصادر مقربة منه، أن الحريري «ليس مستعداً لتكرار تجربة التحالف معه ثانية مهما كلف الأمر، وأنه إذا سمحت الظروف للقضاء عليه سياسياً فلن يتأخر في ذلك. ولكن ميقاتي حرص بدهاء سياسي لافت على عدم إعطاء الحريري هذه الفرصة، وكان يقابل هجوم الحريري عليه، كل مرّة، برفضه إقامة أي تحالف سياسي سنّي في وجهه».

ولم يكن امتناع ميقاتي عن مواجهة الحريري «ترفعاً»، وهو ما أكدته علاقته مع القوى والشخصيات السّنية المعارضة لتيار المستقبل والجماعة الإسلامية، إنما لأنه، وفق مصادره، «يدرك أن أي تصادم بينهما سيلحق ضرراً كبيراً بالطرفين وبالطائفة معاً، كما أن لديه نظرته وحساباته الخاصة في التعامل مع الحريري وتياره الأزرق».

تنطلق حسابات ميقاتي من أنه «لا يريد مواجهة الحريري، أو أن يكون ملحقاً به، مع أنه لا يرفض بالمقابل التحالف والتعاون معه، لكن بشروط يراها مناسبة له، وأبرزها اعتراف الحريري به ركناً سياسياً سنّياً ثانياً، كما أكد أكثر من مرة».

استعداداً لذلك، رفع ميقاتي شعاراً جديداً إلى جانب «الوسطية» هو «إنماء طرابلس»، وهو شعار برز في حركته أخيراً، مستغلاً الأزمة المالية الخانقة التي يعانيها تيار المستقبل. وأعلن عن إنشاء شركة «نور الفيحاء» بالتعاون مع النائب محمد الصفدي بهدف تزويد المدينة بالتيار الكهربائي، وتدشينه أول من أمس مركز الإسعاف والطوارئ التابع للصليب الأحمر اللبناني، الذي تولت «جمعية العزم والسعادة» تأهيله، وافتتاح مركز الرحمة لذوي الاحتياجات الخاصة في مجمع الرحمة، والذي دعمته الجمعية أيضاً.

وأثنى ميقاتي على شعاره الجديد بقوله إنه «أخذنا على عاتقنا حمل أمانة ومسؤولية هذه المدينة والعمل في اتجاهين: أولاً عبر الضغط من أجل تحصيل حقوق طرابلس المزمنة، وثانياً من خلال المبادرة الى إنجاز سلسلة من المشاريع الإنمائية الملحة بالتعاون مع فاعليات المدينة».

غير أن تعاون ميقاتي مع فاعليات المدينة لم يأخذ طابعاً إنمائياً فحسب، إذ إن السياسة كانت حاضرة بقوة، وهو ما تمثل في لقائه الصفدي مرتين في غضون أقل من شهر، واجتماعه على غداء مع الوزير فيصل كرامي يوم الجمعة الماضي في منزل المحامي زياد درنيقة، في أول اجتماع طويل بينهما (امتد قرابة ساعتين) منذ استقالة حكومته.

ولا يخفى أن ميقاتي يهدف عبر تفعيل شبكة العلاقات الطرابلسية إلى جعلها أمراً واقعاً بمواجهة التيار الأزرق، وتحصين وضعه أمام أي متغيّرات قد تحصل، مستغلاً تراجع شعبية تيار المستقبل وأزماته الداخلية العديدة، وإبداء الصفدي وكرامي استعداداً للتعاون معه، برغم شوائب كثيرة واجهت علاقتهما به في السابق، وأفقدت عامل الثقة، التي يعمل ميقاتي جاهداً لاستعادتها هذه الأيام.