أن يتحوّل مشروعٌ إنمائي في مدينة طرابلس الى قضية خلافية بين عدد من هيئات وشخصيات المجتمع المدني من جهة وبلدية طرابلس من جهة أخرى، فهو دليل عافية وحيوية مطلوبة يمكن معهما الوصول الى مشاريع إنمائية نموذجية تخدم المدينة وأهلها.
لكن أن يُصبح مشروع إعادة إحياء ساحة التل مادة خلافية بهدف التصويب على الرئيس سعد الحريري عبر بعض «الشتّامين» بغية الظهور أمام الرأي العام الطرابلسي، في صورة المجموعة الأحرص على مصالح المدينة، والمولجة حماية مشاريعها الانمائية، فهذا أمر لا يمكن الركون له والسكوت عليه خصوصاً في ظلّ تمادي هؤلاء وعدم الاكتفاء بالاعتراض على المشروع بشكلٍ علميّ وهندسيّ، بل التلطي وراء بعض المطالب للهجوم على الحريري وتيار «المستقبل» ورئيس بلدية طرابلس المهندس عامر الرافعي، باعتبارهم سبب هذه الكارثة التي ستلحق بالمدينة ومن ثمّ استغلال عدد من الطامحين المواكبة الإعلامية للظهور أمام الطرابلسيين في مظهر المدافعين عن حقوقهم وحقوق المدينة، قبل البدء جدّياً في التداول وطرح الأسماء المرشحة لحجز مقعدها في المجلس البلدي المقبل!
لم ينجح هؤلاء في جذب أنظار أبناء طرابلس اليهم، على رغم كلّ الاستعراضات والحركات البهلوانية التي يبادرون الى القيام بها أسبوعياً، إن كان عبر عقد المؤتمرات الصحافية المتتالية في مقرّاتهم، أو من خلال الإعلان عن إحصاءات وهمية تشير الى أنّ أكثر من 85 في المئة من أبناء المدينة يرفضون هذا المشروع.
فمع التعبئة والتجييش قبل يومين من الاعتصام الذي دعت اليه هيئات في المجتمع المدني صباح أمس تحت عنوان رفض مشروع «مرآب الذل» كما أطلقت عليه، في محاولة للتعمية وإخفاء الهدف الحقيقي والرئيس للمشروع، وهو تنفيذ المخطط الانمائي للتل، ووضع تصميم توجيهي عام للمدينة ومخطط سير فيها، ومن ضمن ذلك كلّه إنشاء مرآب في وسط الساحة بعد تحويلها الى منطقة للمشاة خدمةً للمنطقة الممتدة من التل الى الأسواق القديمة، وربطها بالمنطقة الأثرية لتتحوّل الى نقطة جذبٍ سياحي، رغم ذلك، لم يستطع المنظمون حشد أكثر من مئة شخص حملوا الأعلام اللبنانية على وقع الأناشيد الثورية رسمت أكثر من علامة استفهام أمام أبناء المدينة، فهل نحن أمام موقعة أو ساحة حرب ومواجهة لأعداء الوطن، أم مجرّد اعتراض على مشروع إنمائي يُراد تنفيذه في المدينة؟!
ولعلّ الخاسر الأكبر من كلّ ما يحصل اليوم جهتان:
الجهة الأولى: صورة طرابلس والتي يظهر أبناؤها وكأنهم ضدّ أيّ مشروع إنمائي لا يستهوي بعض النفوس المريضة التي تستغلّ كلّ مناسبة شبيهة للتصويب على «المستقبل»، عبر محاولة تشويه صورته وصورة قياداته بمختلف درجاتها، ووضعه دائماً في المواجهة مع الطرابلسيين من خلال إظهاره بالمكوّن السياسي الذي يريد مصادرة قرار المدينة وأبنائها.
الجهة الثانية: شخصيات من المجتمع المدني يشهد لها بالكفاءة والموضوعية وحيثيتها بين الناس، تعترض على المشروع لجهة بعض الامور المحددة بطريقة علمية واضحة، يمكن معها الدخول في نقاش موضوعي لتصحيح أيّ خلل قد يقع أثناء تنفيذ المشروع. باعتبار أنّ هؤلاء ذابوا في خضم الصراخ والشتائم الصادرة عن بعض الجهات المعروفة والمكشوفة غاياتها وأهدافها!
مصادر مقرّبة من الرئيس نجيب ميقاتي أشارت لـ»الجمهورية» الى «أنّ توجيهاتنا كانت واضحة لجميع كوادرنا ومناصرينا بعدم المشاركة في أيّ اعتصام ضدّ المشروع، وبأنّ الرئيس ميقاتي كان ولا يزال مع مشروع متكامل لساحة التل على أن يكون من ضمنه إنشاء مرآب للسيارات، وهو موقف مختلف الأطراف السياسية في المدينة».
من جهتها، تؤكد مصادر قيادية في الحراك المدني «أنّ كلّ ما يجري اليوم في ظاهره انمائي، لكنه في حقيقة الامر سياسي قلباً وقالباً، وليس أدلّ على ذلك سوى مشاركة مقربين من الرئيس ميقاتي في إزالة التصوينة التي وضعها المتعهد في مكان تنفيذ المشروع، فضلاً عن مشاركتهم في اعتصام الأمس».
وتضيف: «من الواضح أنّ الحراك السياسي الأخير الخاص بالانتخابات البلدية أرخى بظلاله تماماً على الأوضاع الحالية، فكان مشروع إعادة إحياء ساحة التل، الواجهة الأكثر رواجاً لدى بعض الجهات السياسية للتصويب على الرئيس الحريري وتياره السياسي».
وتقول المصادر نفسها لـ«الجمهورية»: «يبدو أنّ اللقاءات التي عقدها الحريري في بيت الوسط مع الوزيرين محمد الصفدي وفيصل كرامي أصابت الرئيس نجيب ميقاتي في الصميم واعتبرها موجهة ضده بعدما كان قبلها بأسابيع قليلة، يروّج بأنّ حلفاً يجمعه مع الصفدي وكرامي لخوض الاستحقاقات المقبلة في وجه الحريرية السياسية وفي طليعتها الاستحقاق البلدي. فجاءت هذه اللقاءات لتقلب الأمور رأساً على عقب، وتعيد ميقاتي للتفكير جدّياً بضرورة اتخاذ الخطوة الضرورية التي تعيده الى بيئته».
وحين تسأل هؤلاء عن الخطوة الواجب أن يتخذها ميقاتي، يأتيك الجواب سريعاً: «من غير المنطقي، أن يعود سعد الحريري الى بيروت فاتحاً ذراعيه لمختلف المكوّنات السياسية على الساحة السنّية، ولا يزال ابن طرابلس يفكر بمكاسب الربح والخسارة محلياً في حال زار بيت الوسط!».
وتنهي المصادر: «بات واضحاً أنّ الحريري هو الوحيد القادر على جمع البيت الواحد وتحصينه في مواجهة الاستحقاقات الداهمة المقبلة السياسية والأمنية، وعلى بقية الأطراف تلقف هذه المبادرة، والسير ضمن هذه التوجّهات، وإلّا فالخسارة ستصيب حصراً مَن يخرج عن حدود الدائرة المرسومة».