لم ينتظر الرئيس نجيب ميقاتي طويلاً ليختار موقعه كمعارض في العهد الجديد. ففي أعقاب جلسة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً قبل قرابة شهر، وتصويته بورقة بيضاء، شرع ميقاتي في رسم معالم هذا الموقع، من خلال مواقفه وإعادة تموضعه بما يناسب توجهه الجديد داخل حلبة السياسة اللبنانية.
وقد أدرك الرئيس السابق للحكومة سريعاً أن موقعه كمعارض رئيسي للعهد الجديد محفوظ، إلى جانب كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية وآخرين، ليس بسببه موقعه وحيثيته السياسية فقط، بل لأن الوسط السياسي السّني يفتقد معارضاً سياسياً وازناً لهذا العهد، وخصوصاً إذا نجحت محاولات استمالة سنّة فريق 8 آذار وتوزير إحدى شخصياته في الحكومة المقبلة، ما سيعطي المعارضة الجديدة بعداً وطنياً إذا كان ميقاتي ضمن صفوفها.
هذا الموقع ثبّته ميقاتي لنفسه السبت الماضي، بعد زيارته رئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام بمنزله في المصيطبة.
“فاختيار المكان كان مدروساً ولم يكن عبثياً”، وفق مصادر مقربة من ميقاتي، الذي أراد من وراء انتقاء دارة سلام منصّة لإطلاق مواقفه “حفظ مقام رئاسة الحكومة، ورفض العبث بالتوازنات السياسية التي تحكم لبنان”، على حدّ تعبير المصادر، التي أوضحت أن “الرجلين عاشا تجربة حكم مشابهة، غلب عليها طابع المعاناة ولم تكن على قدر الآمال، ولا يريدان تكرارها”.
وإلى الرئيس المكلف سعد الحريري، توجّه ميقاتي قائلاً، من غير تسميته، إن “الطريقة التي يجرى فيها تشكيل الحكومة ليست الطريقة السليمة التي يتمناها اللبنانيون”، وهو ما فسره المقربون بأن “الحريري يبدو أنه ترك مهمة تشكيل الحكومة لسواه، ما يشكل خرقاً للدستور وإضعافاً لموقعه ودوره، وأن على الرئيس المكلف أن لا يؤلف حكومة كيفما كان، وأن لا يكون همّه الأول إرضاء الآخرين”.
ميقاتي: لا تغييرَ ولا إصلاحَ في الحكومة بل توزيع مغانم أو حصر إرث
إلا أن الرسالة الاعتراضية الأبرز كانت موجهة إلى رئيس الجمهورية وتياره، عندما رأى أن “الحكومة لا تحمل شعار الإصلاح والتغيير، وحتى الآن لم نلمس الإصلاح الحقيقي ولا التغيير الحقيقي، لأن الحكومة يتم تأليفها وكأن المسألة توزيع مغانم أو تركات أو حصر إرث”، قبل أن يخلص إلى أن “الجدال الحاصل بشأن توزيع الحقائب الوزارية يوحي كأن الانتخابات النيابية المقبلة في الربيع لن تحصل”.
غير أن ما لم يقله ميقاتي تجاه عون في تصريحه قالته مصادره، التي رأت أنه “بعد سنوات نضاله الطويلة، لا يجوز أن يشكل وصوله إلى السلطة فرصة لتقاسمه الجبنة مع آخرين، وتحقيق الاستفادة والمنافع الشخصية على حساب المصلحة العامة”، رافضة أن يكون “سعي أطراف العهد والحكومة الى الاستئثار بالسلطة وإبعاد آخرين، وخصوصاً من يختلفون معهم”.وعن النهج الذي سيتبعه ميقاتي في التعاطي مع العهد الجديد، أكدت مصادره أنه “لن يسكت عن الأخطاء، لأن ذلك يراه واجباً عليه، وخصوصاً لجهة محاولة البعض ترسيخ أعراف سياسية تمثّل تعدّياً على اتفاق الطائف”