بين المقرات الرسمية وبمواكبة اعلامية يتنقل امين عام الامم المتحدة انطونيو غوتيريش موزعا النصائح مكثرا من الوعظ الذي «ما بطعمي خبز»، وبين نفس المقرات بعيدا عن العدسات و «سرقة» من المداخل الخلفية تدخل سيارات «مفيّمة» تنقل الوسطاء باوراقهم واقتراحاتهم علهم يُحدثون معجزة تطيل من عمر الحاكمين وتعيد وصل الخطوط فيما بينهم. الا ان الاهم من المشهدين السابقين، مشهد «الغرفة السوداء» التي اتخذت من «هاتف ما» مقرا لها تبث «الاشاعات» والتسريبات، تارة عن تنازل من هنا وطورا عن قبول من هناك، محورها «راس» القاضي طارق البيطار، و «راس» الشعب اللبناني الذي قرر تغيير نتائج الانتخابات النيابية عبر تصويت المغتربين الذين تحولوا من «نقمة الى لعنة».
عزز تسريبات «الماكينة المجهولة» ما كان سبق وصدر عن الهيئة السياسية في التيار الوطني الحر التي استخدمت في معرض تناولها للتحقيقات في تفجير المرفأ تعبير «الاستنسابية» المقتبس من الثنائي الشيعي، ما حمل البعض على الذهاب بعيدا في التحليل معتبرين ان صفقة ما يجري الاعداد لها، وقد باشر التيار التمهيد «لابلاعها» لجمهوره، ليتبين حقيقة ان الامر غير دقيق، وفقا لمصادر التيار الوطني الحر التي اكدت ان ما بني عليه من تعابير انما وضع في غير محله، فالاستنسابية التي ذكرت تتعلق باستمرار توقيف بعض المدعى عليهم في الملف، فيما ثمة من يتحمّل مسؤوليات اكبر وتقاعس عن القيام بدوره لا يزال حرا طليقا، فلو ان البعض تكبّد بعض العناء وراجع مواقف وتغريدات رئيس الحزب السابقة لكان وفر على نفسه الكثير من التحليل والتنبؤ عشية الاعياد.
وتابعت المصادر بان التيار كان حريص منذ اليوم الاول على عدم التدخل رغم ان الاجراءات القضائية طالت بعض المحسوبين عليه الذين تم توقيفهم، ومع مرور اكثر من سنة على هذه الخطوة، رغم نسبة براءتهم المرتفعة لا يمكن السكوت عليه، فاما العدالة على الجميع واما لا عدالة، فالجرم لا حصانة عليه، خاتمة بان التيار الوطني ليس في وارد الدخول بأي تسويات او مقايضات في هذا الملف الذي يعنيه اكثر مما يعني الكثيرين غيره، وهو حريص على ظهور كامل الحقيقة، خصوصا ان لا شوائب على اداء المحقق العدلي، و «الا كنا اعلنا ذلك من دون ما نتخبا ورا اصبعنا»، فمن يريد ان «يقبع» البيطار «دليناه على الطريق» القانوني والدستوري، وقد تقدم وزير العدل باقتراح منصف للجميع، وليتحمل من اسقطه تبعات «اصراره على مخالفة الدستور».
كلام المصادر العونية، لا تنفيه الوقائع المتوافرة جزئيا، لجهة فشل المحاولة الاخيرة، التي قام بها احد الوسطاء، لايجاد حل لانعقاد الحكومة والذي بوابته «عزل» القاضي بيطار عبر مجلس قضاء اعلى «بتركيبة جديدة»، محاولا «اغراء» ميرنا الشالوحي بضم مسألتي قبول الطعن في ملف الانتخابات والاهم الغاء مفعول اقتراع المغتربين، والاهم ترقية ضباط دورة 1994 وما الحق بهم من ضباط دورة 1995، على ان يحسم التيار قراره مساء الاثنين «قبل ان يسبق سيف المجلس الدستوري عزل الطعن المقدم».
وعليه ادار الوسيط مفاوضاته التي اصطدمت بعائق طرح تغيير المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم من قبل التيار الوطني الحر، على اعتبار ان البياضة تريد تشكيلات قضائية كاملة دون استثناء، والاتفاق على مبدأ السير بتعيينات اخرى من امنية وغيرها. الا ان طرح التيار نسف الاتفاق الذي كان قاب قوسين او ادنى من ان يمر مع رفض عين التينة لادراج اسم ابراهيم بين «المخلوعين»، وان ترك «للاستيذ» ان يعيد تسمية البديل، على اعتبار ان لا ارتباط له بالملف، فعادت الامور الى نقطة الصفر، لتتوقف معها الاتصالات بالكامل، ويغرد النائب باسيل ناعيا السلة بكاملها، وتغمر الحيرة الوسطاء حول قطبة المدعي العام المالي المخفية.
فشل المحادثات لم يحتج الى كثير من الوقت للخروج الى العلن، فما ظنه البعض انجازا مع وصول رئيس الحكومة الى عين التينة، انقلب كابوسا مع خروجه من الاجتماع «مسود وجهه» بعدما «خيب الاستيذ» ظنه، لتعود الغرفة نفسها لتبث اخبارا عن طلب السراي موعدا عاجلا من بعبدا ليضع رئيس الحكومة استقالته بتصرف الرئيس، بعد رفضه المبادرة بالدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء بمن حضر.
اذا للمرة الثانية اسقط علي ابراهيم السلة، بعدما فشلت الجولة الاولى منها لنفس السبب، كما سقط اقتراح تجزئة الحل الى ملفات، مع اتفاق على مبدأ وآلية، لتعود الامور الى التأزم، ويطير الحل وربما الحكومة، مثبتة ان المعارك التي خيضت بمختلف انواع الاسلحة على وسائل التواصل الاجتماعي الحامية بين جمهور «الجنرال وصهره» من جهة، وجماعة «الاستيذ» من جهة ثانية، لم تكن دخانا لحجب الرؤية عن المفاوضات الجارية، بل تاكيدا على ان لا شيء « ماشي او لح يمشي» بين الطرفين، لتدخل بذلك البلاد عطلة لن يكون بعدها الوضع على ما هو عليه اليوم بعدما قرر الجميع السير نحو «مواجهة كسر عضم» ، «اعجز حليف الحليف» نفسه عن حلها.