IMLebanon

ميقاتي يعيد الاعتبار لـ«الوسطية»: أكبر إساءة للسنّة تحويلهم إلى مذهب

 

وصلت رسالة الانتخابات البلدية في طرابلس الى الرئيس نجيب ميقاتي الذي يبدو أنه قرأها جيدا، لكنه عمل على تحويلها الى طاقة إيجابية، من المفترض أن تنسحب على الدائرة الضيقة المحيطة به، وعبرها الى «تيار العزم» الذي تشير معلومات مؤكدة أن ميقاتي بدأ باعادة دراسة هيكليته التنظيمية، بهدف التفتيش عن مكامن الخلل فيها، من أجل معالجتها، ليكون التيار أقرب الى الناس وهمومهم ومشاكلهم، بعدما حملت نتائج الانتخابات عتبا واضحا وصريحا يجب أن يؤخذ على محمل الجد كي لا يتنامى هذا العتب الى ما هو أكثر في الانتخابات النيابية المقبلة.

يمكن القول إن نجيب ميقاتي رسم في الخطاب الذي ألقاه في الافطار الرمضاني السنوي لمنتديات وقطاعات العزم «خريطة طريق» سياسية واجتماعية وإنمائية، وهو خاطب من يعنيهم الأمر للمرة الأولى من دون «كفوف»، فكانت رسائله واضحة وصريحة لتياره بالدرجة الأولى «استعدوا وأعدوا للقادم من الأيام وتواضعوا وثابروا وتابعوا كل ما ينفع الناس»، ومن ثم للتحالف البلدي «كلنا مسؤول عن تعثر هذه التجربة، وكلنا مسؤول عن تجاوز تداعياتها على كل المستويات»، وللخصوم «لا يزايدن علينا أحد لا بوطنيتنا ولا بسنيّتنا، وإذا كنتم تأخذون علينا الهدوء والصبر والنفس الطويل، فاننا نعيب عليكم قصر النظر وضيق أفق الرؤية والخطاب الذي لا يغني ولا يسمن من جوع «، وكذلك لأبناء طرابلس «سنتفاعل مع المدينة بكل احيائها وسنتواصل مع كل أهلها، وسنستمع لهم ونشرح موقفنا ووجهة نظرنا وسنقف في وجه من يريد تعريض المدينة وأهلها للأخطار».

واللافت أن ميقاتي وجه كل هذه الرسائل، في وقت كان يتجاوز فيه نتائج الانتخابات البلدية، وذلك من خلال جمعه على مائدة الافطار كل الفائزين في الانتخابات البلدية في طرابلس يتقدمهم الرئيس المنتخب أحمد قمر الدين، وكل الفائزين في انتخابات الميناء يتقدمهم عبد القادر علم الدين، وكذلك الخاسرين في المدينتين، وقد أكد ميقاتي أن طرابلس قد نجحت في اختيار الكفاءات القادرة على النهوض بها، اذا ما التزم الجميع بتعهداتهم والتزموا المصلحة العامة فوق اي مصلحة شخصية او سياسية لأي طرف كان.

وحرص ميقاتي على إعادة الاعتبار للوسطية بمفعول رجعي عن السنوات السابقة التي تعرضت فيها للتشويه والتحريف، فأكد «أننا لم نكن يوما من دعاة الوسطية البينية، بل دعونا وندعو إلى خيار وسطيّ أخلاقيّ يقف إلى جانب المظلوم في وجه الظالم، ويطالب بدم القتيل من القاتل، ودائماً دائماً هو مع الحق في مواجهة الباطل. نحن مستمرون في هذا الخيار أيّا تكن أكلافه، وإن لم يكن في لحظات إحتدام الصراع وسيادة لغة الغرائز خياراً شعبويّاً، فالقيادة الحكيمة هي التي تصل بالناس إلى بر الأمان، لا التي تخاطب غرائزهم وتجعلهم وقوداً لمعاركها الخاصة».

وحذر ميقاتي في الوقت نفسه من أنه لن يسكت بعد اليوم على أي افتراء أو طغيان من أي جهة أتى، وهو سعى في خطابه الى لفت انتباه كل من يعنيهم الأمر بأن الخسارة في الانتخابات البلدية لم تأت من ضعف، وهي لا تعني الضعف، مذكرا أنه أبلغ كوادره بأنّ المعركة بالنسبة له هي الخيار الأسهل، والتوافق أصعب، لكنه فضّل التوافق على إظهار الخلافات أو الدخول في تحديات قد لا تستفيد منها البلدية ولا تستفيد منها طرابلس.

وإذا كان ميقاتي لا يتوانى عن الاقرار بأننا في «تيار العزم» اخفقنا في تظهير عناصر قوتنا الفعلية، وجاء الأداء غير منسجم مع حجم قدراتنا وما نمثّل فعلاً، فانه يؤكد من باب الايجابية التي يتبعها، بأن كل شيء قابل للتصحيح، خصوصا أنّ النوايا دائماً صافية لا تشوبها شائبة بيننا وبين أهلنا في كلّ مكان.

واعتبر ميقاتي أن السلوك الالغائي عقيم، وقد جر ويجر على البلد الويلات، مشددا على «أننا لم نساوم أو نتنازل عن حضور ودور وحقوق المكوّن الأساسي الذي نمثّل، ونقول هذا بصوت عال ونتحدّى كل الواهمين أصحاب الذاكرة المثقوبة أن يبرزوا موقفاً أو فعلاً سياسياً قدّمنا فيه تنازلاً عن حقوق السنّة في لبنان،

وهذا ليس من باب الطروحات المذهبية، لكن لبنان محكوم بالتوافقية الطائفية وحين يتحدّث الجميع عن الحقوق لا يمكن إلاّ ان نحمي حقوق السنة في لبنان كمكوّن أساس وتعزيز وجودهم ليقوموا بدورهم الوطني في الدفاع عن وحدة البلاد والتمسك بالمصلحة الوطنية الكبرى، وأكبر اساءة توجّه الى السنّة هي في تحويلهم الى مذهب في مواجهة مذاهب أخرى، فيما هم في الواقع ابناء الدولة، وملتزمون خيارها».

واللافت أن كلام ميقاتي أعقبه سحور سياسي ـ ديبلوماسي في مركز العزم الثقافي جمع فيه عددا من السفراء الى جانب نواب طرابلس: محمد الصفدي، محمد كبارة، سمير الجسر، وأحمد كرامي، والوزير السابق فيصل كرامي، ما يشير الى أن العلاقات بين نواب المدينة مجتمعين ومعهم كرامي ما تزال دافئة، وأن الاتصالات والمشاورات ما تزال قائمة.

وإذا كان الجميع يؤكدون بأنه ليس من الضرورة أن يسري التحالف البلدي على الاستحقاق النيابي، فانه من المؤكد، وبحسب بعض المقربين، بأن ميقاتي بعد الانتخابات البلدية ليس كما قبل، وأن ذلك سيظهر لاحقا.