IMLebanon

كلام ميقاتي بعد اللقاء الرابع مع عون بمنزلة الاعتذار المقنّع

 

لا تشكيل للحكومة ما لم تحصل معجزة تليّن المواقف المتصلبة

 

لم يدم طويلاً مناخ التفاؤل الذي ساد مع تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف الحكومة، حيث أن منسوب هذا التفاؤل سرعان ما انخفض بشكل ملحوظ، بُعيد الاجتماع الرابع الذي حصل في قصر بعبدا بين الرئيس ميشال عون والرئيس نجيب ميقاتي والذي وفق معلومات مؤكدة تخلله نقاش ساخن حول المشكلة القديمة الجديدة وهي المداورة في الحقائب، والتي كانت سبباً رئيسياً في اعاقة ولادة الحكومة منذ اكثر من سنة، وحملت السفير مصطفى اديب والرئيس سعد الحريري على الاعتذار.

 

ما هو متوافر من معطيات أن الرئيس المكلف اصطدم بحائط الداخلية المسدود، فهو لم ينجح حتى الساعة في تليين موقف رئيس الجمهورية حول هذه الحقيبة، وقد اقترح عليه في اجتماعهما الاخير ان يتولى حقيبة الداخلية، وكذلك العدل وزراء محايدون غير محسوبين على اي فريق سياسي، غير ان اقتراح ميقاتي جوبه بالرفض من قبل الرئيس عون مع الاصرار على ان تكون الداخلية من حصته ونقطة على السطر.

 

وفي هذا السياق، يرى مصدر وزاري مطلع على مسار العملية التفاوضية بشأن التأليف أن لا شيء تغيّر في هذا الموضوع، فالمواقف السائدة اليوم هي ذاتها التي كانت موجودة خلال عملية تكليف الرئيس الحريري والتي أودت به إلى الاعتذار، وبصريح العبارة «رجعت حليمة لعادتها القديمة»، مطالب ومطالب مضادة وصعبة التحقيق مما يجعل ولادة الحكومة متعثرة، لا بل إن تشكيل هذه الحكومة لم يعد ممكناً ما لم تحصل معجزة.

 

ويستغرب المصدر القول بأن المشكلة التي تحول دون التأليف هي خلاف على الحقائب ويقول: ولا مرة في لبنان حتى قبل اتفاق الطائف كان يطول أمد تأليف الحكومة بسبب خلافات أو شروط داخلية، وكانت أطول مرة يحصل فيها تأليف حكومة في العام 1969 خلال تكليف الرئيس رشيد كرامي، واليوم لا يمكن ان يؤدي الخلاف على حقيبة وزارية إلى اطالة عمر التأليف سنة كاملة، وربما تستمر اكثر، وهذا يعني ان هناك شيئاً آخر وراء هذا التأخير في التأليف، وهذا الشيء هو حتماً الصراع في المنطقة، فلبنان هو اليوم رهينة هذا الصراع، وللأسف فإننا نعلم ما هي المشكلة ولا نصارح المواطنين بذلك، أو نتجاهلها ونذهب باتجاه آخر للتعمية على لب المشكلة.

 

أزمات لبنان رهينة الصراعات الإقليمية والدولية ولا حل قبل نضوج التسوية في المنطقة

 

وفي تقدير المصدر الوزاري ان ازمة التأليف غير متعلقة بمحاصصة أو حقيبة أو بزيادة وزير من هنا أو هناك، إن الأزمة تتلخص بعبارة واحدة وهي أن هناك من لا يريد أن تكون حكومة في لبنان في الوقت الراهن، وأن يبقى الوضع على ما هو عليه، إلى حين جلاء غبار الكباش الاقليمي والدولي الحاصل، متسائلاً: هل يعقل ان يجتمع زعماء العالم كله وتتم الدعوة إلى مؤتمرات دولية خاصة لدعم لبنان ونحن نتلهى بحقيبة وزارية؟

 

إن ما يحصل اليوم على مستوى التأليف لا يمكن ان يتصوره عاقل، هناك قطبة مخفية خارجية، وما يحصل في الداخل اللبناني هو مجرد تمرير للوقت وانعكاس للصراع الدولي على جري العادة، حيث إنه لطالما كان العامل الخارجي هو العامل الفاعل على الداخل اللبناني.

ad

 

ويجزم المصدر المشار اليه بأن اجتماع بعبدا يوم غد الخميس لن يكون افضل حالاً من اجتماع الاثنين الذي سبقه، كون ان الرئيسين سيصران على موقفهما من موضوع الحقائب الخلافية، وهذا سيؤدي حتماً، في حال لم يحصل ما يبدد هذه المناخات، إلى اعتذار الرئيس المكلف الذي لن يكون صبره طويلاً، وهو ألمح إلى هذا الشيء لحظة خروجه من قصر بعبدا اول من امس بقوله: «بالنسبة لي مهلة التأليف غير مفتوحة، وليفهم من يريد أن يفهم». والرئيس ميقاتي اراد من هذه العبارة بعث رسالة إلى من يعنيه الأمر بأنه لن يخضع لأية عملية مناورة، ولن يساهم في إطالة أمد الأزمة، وهو سيكون حاضراً وفي وقت قريب إلى قول الأشياء بأسمائها، والإشارة بشكل واضح وعلني إلى الجهات التي تُعيق عملية التأليف.

 

وفي تقدير مصادر عليمة أن كلام الرئيس ميقاتي الاثنين من قصر بعبدا كان بمثابة اعتذار مقنع، وهو بات مقتنعاً بأن لا شيء تغير في عملية التفاوض حول تأليف الحكومة عما كان عليه خلال تكليف الرئيس سعد الحريري، فالسقف الذي تعلق فيه رئيس الجمهورية آنذاك ما زال هو ذاته، كما أن ما لم يعطه الحريري للرئيس عون لن يعطيه إياه الرئيس ميقاتي، وهذا يجعلنا أمام مسلَّمة مفادها أن ما يجري اليوم هو مصارعة مع طواحين الهواء، فهناك من أخذ قراره بعدم الافراج عن الحكومة أقله في الوقت الراهن، للحصول على ضمانات للمستقبل، وإلا كيف يفسر ان الفتائل مشتعلة في اكثر من منطقة وعلى اكثر من صعيد، ونحن نضع الخلافات على حقيبة وزارية؟

 

وتحصر المصادر المشكلة الآن بنقطة اساسية وهي ان الرئيس عون يريد حقائب الداخلية والعدل والاقتصاد، وفي المقابل لا يريد اعطاء حقيبة المال للشيعة، وهذا الموقف كفيل بتفجير أي توليفة حكومية يمكن ان يحملها إليه الرئيس المكلف، وهذا الأمر إن بقي على حاله يجعلنا نذهب في اتجاه الحسم والجزم بأنه لن تكون هناك حكومة انقاذ للبنان في العهد الحالي، وهذا يعني ان الأزمات الكبيرة الموجودة حالياً على كل الصعد ذاهبة باتجاه التفاقم بما يفتح الباب امام الكثير من الاحتمالات التي سيكون أحلاها مراً، ولا سيما ان فتيل الشارع قابل للاشتعال في أية لحظة ولأسخف سبب.

 

وتعطي المصادر الرئيس المكلف مهلة اسبوعين او ثلاثة على الاكثر لتحديد خياره في ظل ما يلاقيه من تصلب في مواقف رئيس الجمهورية، حيث ان الرئيس ميقاتي لن يكون هذه المرة نفسه طويلاً في حياكة التوليفة الحكومية، وهو سرعان ما سينزع عنه قميص التكليف ويذهب إلى الاعتذار لكي لا يوضع في خانة المتسببين في وصول البلاد إلى هذا الدرك من الانهيار على المستويات كافة.