لم يكن رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي مرتاحاً، إلا بعد انتهاء عهد الرئيس السابق ميشال عون، لانّ التناحر مع الاخير ومع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، كان سيّد الساحة والخبز اليومي بين الفريقين، لكن ميقاتي تنفس بعض الصعداء في نهاية تشرين الاول الماضي، حين غادر الرئيس عون وباسيل قصر بعبدا، معتقداً انه سيكون في أمان لانه المسؤول الاول التنفيذي والمقرّر سياسياً، بعد تسلّم حكومته مهام وصلاحيات رئيس الجمهورية، وسوف يكون موقف معارضيه ضعيفاً وأولهم باسيل، الذي يعمل على خط سياسي مغاير، من خلال وزراء محسوبين على «التيار الوطني الحر»، أي سيقومون بمهام الثلث المعطل، لان ميقاتي سيحتاج الى موافقتهم على أي قرار سيتخذه.
لكن باسيل، وبحسب مصادر سياسية متابعة، لم يترك ميقاتي مطمئناً مع صلاحيات الرئاسة الاولى، اذ تصدّى له من خلال الوزراء امين سلام، وليد فياض، هكتور حجار، وليد نصار وعصام شرف الدين، فبدت المعركة حينئذ مفتوحة على كل الاحتمالات، خصوصاً انّ شظاياها تداخلت مع الاستحقاق الرئاسي، الذي دخل الفراغ منذ مطلع تشرين الثاني الماضي، فأعطيت الصلاحيات لميقاتي وفق المادة 62 من الدّستور التي تنص على: « في حال خلوّ سدة الرئاسة لأي علّة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء»، أي انّ صلاحيات الرئاسة تؤول الى الحكومة بحكم الامر الواقع، بسبب التعطيل ولعدم تشريع الفراغ.
الى ذلك، ترى مصادر نيابية معارضة أنّ المادة المذكورة اعطت صلاحيات لميقاتي « وهو زادها كتير»، اذ يطلق كل مدة قرارات يتخطى من خلالها حدود صلاحياته، على غرار قراره يوم الثلاثاء بتشكيل لجنة لدرس مسألة النزاعات بين الحدود العقارية، والخلافات على المياه في أكثر من منطقة عقارية برئاسة وزير الداخلية بسام مولوي، وتشمل مناطق بشري، الضنية، القبيات، الهرمل، فنيدق،عكار العتيقة، أفقا، لاسا، اليمونة والعاقورة. وتهدف اللجنة الى توزيع المياه وكيفية الاستفادة منها وبشكل خاص من مياه القرنة السوداء، على ان ترفع تقريرها الى رئيس مجلس الوزراء. وذكّرت بما قاله رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في هذا الاطار، «بأنّ مسألة النزاعات بين الحدود العقارية هي من صلاحيات السلطات القضائية فقط». وكان جعجع قد أصدر بياناً تناول فيه القرار المذكور، اعتبر فيه انّ ميقاتي تجاوز فيه كل حدود السلطة.
في غضون ذلك وفي الاطار عينه، برز موقف لـ «التيار الوطني الحر» بعد اجتماعه يوم الثلاثاء «حذر خلاله من مخططات الحكومة الناقصة الشرعية ومن يدعمها، لفرض أمر واقع يخالف الميثاق والدستور، من خلال الإقدام على إجراء تعيينات في مواقع الفئة الأولى، متجاوزة الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، لإيصال رسالة مفادها، أن حكم البلاد ممكن من دون رئيس يمثل المسيحيين، في معادلة الشركة الدستورية. وهذا الاتجاه يشكل غطاءً لمخالفات جسيمة ترتكبها الحكومة الميقاتية منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون «.
هذان الموقفان الصادران عن اكبر كتلتين مسيحيتين، يطلقان العنان لإمكان توافقهما ضد مقرارات ميقاتي، وفق ما رأت المصادر النيابية المعارضة، معتبرة انّ رئيس حكومة تصريف الاعمال قام بتوحيد «القوات «و»التيار» من حيث لا يدري، آملة في أن يستغلا هذا الرفض المشترك، ويقفا سدّاً منيعاً ضد قراراته، خصوصاً انه يسعى الى عقد جلسة قريبة لمجلس الوزراء بهدف توسيع مهام حكومته ومنحها صلاحيات استثنائية، من ضمنها إجراء بعض التعيينات العسكرية وفي حاكمية مصرف لبنان ايضاً.
واشارت هذه المصادر الى وجود مخاوف من بروز معادلة بري- ميقاتي – فرنجية من جديد ، من حيث العلاقة الثلاثية الجامعة التي تقلق باسيل اولاً، خصوصاً اذا حاول الثلاثي ضم النائب السابق وليد جنبلاط اليهم، وهذا ما يخيف ايضاً جعجع، يعني انّ المصيبة ستجمعه مع باسيل وعليهما استدراكها والاستفادة منها، خصوصاً انّ ميقاتي اعلن مراراً عن امنيته بوصول رئيس تيار «المردة» الى رئاسة الجمهورية، والتي نعتبرها «زكزكة» سياسية للقوى المسيحية المعارضة.