Site icon IMLebanon

«المناضلون» الكتائبيون «ع كوع» سامي الجميّل

شكّل انتخاب سامي الجميل منذ أيام رئيسا لحزب الكتائب بأغلبية 339 صوتا مقابل منافسه بيار عطالله بفارق واضح حدثا مهما، من الناحية الشكلية والمضمون في بلد يعاني أزمة كبيرة على صعيد الإنتخابات أو على صعيد الممارسة الديموقراطية والعمل المؤسساتي. ومهما تكن طبيعة ردود الفعل حول وصول سامي الجميل إلى اعلى منصب في أعرق الأحزاب السياسية فإن جملة من الملاحظات ينبغي التوقف عندها بحسب مصادر مقربة من حزب الكتائب: اولا شكّلت «المعركة الإنتخابية» بحدّ ذاتها حدثا يفتقده لبنان سواء في المؤسسات الدستورية الشاغرة أو حتى في آداء الأحزاب السياسية ـ إن وجدت ـ حيث لم يستطع مجلس النواب ـ أن يلتئم ولو لمرة من أجل إنتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من سنة ولإشعار آخر، والملاحظة الثانية هو العملية «الديموقراطية» ـ وحتى ولو كانت حسب إدعاء البعض «شكلية»- غير أنها إحتوت على مرشحين منافسين وصناديق إقتراع وحتى «طعون» من المعترضين و«أحكام براءة» لصالح سامي الجميل ، وهو ما جعل منه مرشحاً «شرعيّاً» لمنصب الرئيس مع مرتبة «الشرف» كونه من «آل الجميل» هذا من الناحية الشكلية، أما من حيث المضمون فقد مثلّت صورة الشاب «الحماسي» نموذجا مختلفا عن «الشيخوخة» التي تشهدها مختلف المراكز القيادية سواء في الأحزاب أو المناصب الرسمية اللبنانية، ما خلق أملا جديدا لكل الشباب الطامحين بالتصدي للشأن العام.. والحلم بالتغيير.

يعلّق متابعون للعملية الإنتخابية الكتائبية، إن النقاط الخمس التي تضمنها مشروع ترشيح النائب سامي الجميل إلى رئاسة الحزب بما إحتواها من خطط إصلاحية وتنموية شاملة، والدعوة إلى اللامركزية، «المتطرفة» ودعم الدولة المدنية مع التشديد على فكرة «الحياد» كلها عناوين جذابة ومهمة ولم يكن الرئيس سامي الجميل أول من طرحها، بل هي تتكرر في أدبيات الترشيحات التي تضرب على الوتر الحسّاس للناخبين وتضمن الحصول على نسبة عالية من الأصوات عند الإقتراع وخاصة إذا كانت صادرة عن «شاب» يعلم كيف يدغدغ أحلام وطموحات جمهور كبير من الشباب يعاني في لبنان الكثير من المتاعب الإقتصادية والهموم المعيشية إضافة إلى الرغبة في إثبات الذات، وهو التحدي الأول الذي سيواجهه سامي «الإبن» تجاه «الحماية» التي سيمارسها «الوالد» أمين الجميل، والذي لا يزال طموح رئاسة الجمهورية يداعب مخيلته، وهو ما قد يشكل نقطة ضعف يمكن أن يستغلها الخصوم فيما لو لم يدرك الرئيس الشاب كيف يتعامل معها، عدا عما ينتظره من «المناضلين القدامى» في ايام «عزّ الكتائب» والذين ينتظرونه «ع الكوع»، ومخضرمين وشخصيات عتيقة في الحزب لن تمرّر أي هفوة قد يرتكبها سامي الجميل حتى ولو كان «فتى» الكتائب الأول، لإن الحفاظ على خصوصية المبادئ الكتائبية هو خط ّأحمر قد يصطدم مع التفكير «الراديكالي» و«الثورجي» الذي يتمتع به الرئيس الجديد، وهو ما ألزمه المزيد من التدريب والترويض لكبح جماح إندفاعاته وزلاّته التي كلفته في بعض الأحيان بعضا من رصيده لدى الفريق الآخر.

تتابع المصادر المراقبة لنتائج الإنتخابات أن الرئيس الجديد سوف يواجه مطّبات وتحديات كثيرة من داخل الحزب والطائفة المسيحية بالدرجة الأولى، وسيُلقي خطاب الترشيح بمسؤولياته على كاهله -وهو أمر ليس سهلا – لمن يحتاج للكثير من النصح والتدريب في الحياة السياسية اللبنانية المليئة بالألغام، وثانيا سوف يجهد كثيرا من أجل إثبات وعوده «الطوباوية» التي أطلقها بإتجاه خصومه السياسيين عن أنّ الخلاف في الرأي لن يفسد للودّ قضية، وان كل مسألة قابلة للنقاش وليس المطلوب تغيير القناعات بل القدرة على تكييفها بما يخدم «مصلحة» الوطن، وهو شعار جميل سوف يخضع للكثير من الإختبارات في القريب العاجل.

أما المواجهة الأصعب برأي هذه المصادر سوف تكون مع الجمهور المسيحي خارج إطار حزب الكتائب وتحديدا التيار الوطني والقوات اللبنانية ـ التي تفتقد الود مؤخراً مع حزب الكتائب ـ وخاصة بعد الترحيب «البارد» الذي أطلقته على ورقة «إعلان النوايا» بين الطرفين، ما يخلق أمام حزب الكتائب والرئيس الجديد تحدي إعادة حزب الكتائب إلى واجهة القرار المسيحي الذي إختزله القوات والتيار في الآونة الأخيرة، والعمل على إعادة بلورة القاعدة الشعبية للحزب من خلال مشروع واضح يستطيع أن «يقارع» به على المستوى المسيحي، ويحلّ مشكلة الكتائبيين الذين أمضوا فترة ليست بسيطة يتنقلون فقط بين الصيفي ـ وبكفيا، ويعقدون لقاءات تقليدية بدت وكأنها خارج إطار الزمن السياسي الحالي.

أما المصادر القريبة من الرئيس المنتخب -التي خاضت معه نضاله الشبابي والطلابي- تشير إلى ان سامي الجميل سوف يُدخل تغييرا في النهج الحزبي الكتائبي من خلال العمل الذي ستظهر بوادره قريبا جدا والمعروف عن سامي أنه كان الأكثر «نشاطا» في اللجان النيابية عبر مشاريع القوانين التي كان يتقدم بها والتي كانت تعطلّها دوما البيروقراطية والمحسوبيات السياسية، لذا كان الهدف الأول في شعاره الإنتخابي هو لا «للمحسوبيات والزبائنية» في داخل الحزب أولا، ومن ثم سينطلق بمشروعه الإصلاحي الحقيقي على المستوى الإقتصادي والمعيشي الذي هو همّ اللبنانيين بالدرجة الأولى، وهو لن يتوانى عن المواجهة حتى مع الحلفاء إن إقتضى الأمر، أما في الموقف السياسية يتابع المقربون من سامي الجميل بأنه أقرب إلى 14 آذار من حيث المبادئ والثوابت ولكن هذا لا يمنع من وجود «تمايز» في بعض المواضيع تُبقي على هامش الحرية لكل طرف، وطبعا سوف تكون المشورة والقرارات ضمن المكتب السياسي الذي لن يكون «متساهلاً» مع الرئيس الشاب خاصة في الظروف الإستثنائية التي يمرّ بها لبنان والمسيحيون بشكل خاص.

من حق الشباب أن «يحلم».. ومن حق الرئيس سامي الجميل أن يحلم أيضاً و«يتمنى» التغيير، ومن حقّ حزب الكتائب أن «يحلم» بالعودة إلى زمن الماضي الجميل، عندما كان الحزب يساهم في صناعة الحياة السياسية اللبنانية،

ولكن المشهد اليوم قد تبدّل والصفوف الأمامية إحتلها «لاعبون «جدد، والشعارات أصبحت «عبئاً» على أصحابها، حتى قواعد اللعبة السياسية أصبحت أكثر تعقيدا وتشابكت خيوطها بين الداخل والخارج.. ولكن يبقى من حق سامي الجميل أن «يحلم».. ومن واجبه أن «يعمل» كثيراً!