استحضر أحد أعتق وزراء «حكومة المصلحة الوطنية» أمس وهو يتحدّث عن ملف التعيينات العسكرية وصولاً الى ما شهدته الجلسة الأخيرة للحكومة، السيناريو الذي اعتُمد لإثارة ملف «شهود الزور» في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان توصلاً الى تطيير «حكومة الوحدة الوطنية» مطلع العام 2011 بعد عامين وشهرين على تأليفها. فما هي وجوه الشبه والمفارقات؟
لرواية ما حصل في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة كان لا بدّ من العودة الى بدايات الحديث عن التعيينات الأمنية والعسكرية التي بدأت المفاوضات فيها باكراً، وتحديداً منذ مطلع السنة وحضرت بقوّة في لقاء «بيت الوسط» في شباط الماضي بين الرئيس سعد الحريري والنائب ميشال عون.
وعلى رغم الروايات المتعددة التي نُسجت حول ما دار في هذا اللقاء الطويل، فإنّ ما لم تتناوله بيانات التوضيح والتكذيب كان موضوع قطع قالب من الحلوى في مناسبة ميلاد الضيف الإستثنائي، وأنّ البحث تناول ملفّ التعيينات العسكرية وبقي ما يتصّل بالتفاهمات مجرّدَ روايات متناقضة. فتوالى مسلسلُ التأويل في شأنها توصّلاً الى ما طالب به عون بتنفيذ الإتفاقات من جانب واحد بعدما تبرّأ الحريري منها كاملة.
كانت كلّ المعطيات تشير الى «أنّ في الأمر إنّة». وأيّاً تكن التفاهمات، فقد سقطت تلك المرحلة بالضربة القاضية بمجرد التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص لعامين وصدور سلسلة التشكيلات والمناقلات والتي قيل إنها طُبخت بالمواقع والأسماء بين وزير الداخلية نهاد المشنوق وعون قبل ثلاثة اسابيع من موعدها يوم زاره في الرابية للتشاور في ما ستكون عليه آلية التمديد أو التعيين.
يومها عَلِم قلائل، أنّ التفاهم بين الرجلين كان شاملاً وأهدى المشنوق بموجبه عون المواقع الأمنية في قيادة الدرك ومفرزة القوى السيّارة تزامناً مع رفضه أيّ ربط بين موقعَي الأمن الداخلي وقيادة الجيش، وهي معادلة لم ينفها أيّ من طرفيها. فاعتبر المشنوق يومها أنّ الداهم هو في مبنى السيّار وليس في اليرزة. فهي تنتظر أوانه، فموعد الإستحقاق الأول في الأسبوع الأول من آب المقبل مع إحالة مدير المخابرات الى التقاعد ومن بعده بأسبوعين رئيس الأركان وصولاً الى موقع القائد في نهاية ايلول.
توالت التطوّرات، وسقطت كلّ السيناريوهات التي رسمها عون واحد بعد الآخر من تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش الى اعتبارنفسه «رئيساً توافقياً»، ما أدّى الى انقلاب الصورة وتبدّل المواقف والخطط وبات ملفّ التعيينات عنواناً للمرحلة، وأصرّ عون على أن يكون البند الأول في جدول أعمال أيّ جلسة، ولا يبتّ بأيّ بند آخر قبله.
عند هذه المرحلة تجلّت الصورة أمام الوزير العتيق، فما يحصل شبيه بتوليفة ملف «شهود الزور» في المحكمة الخاصة بلبنان عندما إشترط فريق 8 آذار على الحريري البتّ به قبل أيّ بند آخر، قبل أن تتطوّر الأمور بفعل مقاومته الى إسقاط الحكومة باستقالة الثلث زائداً واحداً فيما كان الحريري على مدخل «البيت الأبيض» فدخله رئيساً لحكومة كامل الصلاحيات وخرج منه مستقيلاً.
ويضيف الوزير العتيق: السيناريو نفسه استُخدم اليوم، كنا نناقش في التعيينات العسكرية وأولويّتها وانتقلنا بعد تجاوزها، الى صلاحيات رئيس الجمهورية، فرئيس الحكومة، فالشارع في محاولة لفرض أمر واقع جديد. ففي ملف شهود الزور نجحت قوى 8 آذار في نَيْل مبتغاها وجاءت بالرئيس نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة، أما اليوم الوضع مختلف. فالخطوط الحمر تزنّر سلام في المصيطبة والسرايا معاً، وإنّ أيّ انتصار عليه ليس سهلاً والحديث عن وقف العمل في مجلس الوزراء مستحيل.
والدليل أنّ المجلس أقرّ مرسومَي دعم الصادرات الزراعية وتوزيع مستحقات المستشفيات وها هو يستعدّ للبحث في آلية اتخاذ القرارات فيه، وبات ملف التعيينات العسكرية في المرتبة الدنيا من الإهتمامات وسط أجواء توحي بأنّ ما حصل لم يكن هدفه النيل من رأس الحكومة، بمقدار ما كان الهدف منه نقل الوزير جبران باسيل الى أعلى سلطة في التيار على نار الصلاحيات والشارع أيّاً كانت انعكاساتها على البلد وإقتصاده وأمنه ومؤسساته.
والى تلك المرحلة سيثبت أنّ ما أراده عون من ركوب صهوة التعيينات العسكرية والصلاحيات الرئاسية من خلفية ملف «شهود الزور» كان دعسة ناقصة بكلّ المقاييس السياسية وغيرها. فمَن استدرجه الى هذه الواقعة؟ وما هو الثمن المطلوب؟ وهل هناك مَن هو مستعدّ لتسديد الفاتورة؟ أم أنّ الأمر قد طُوي وسيأتي في الأيام القريبة ما يشغل اللبنانيين عن هذه الإنتصارات الوهمية؟