ليس من الصعب، إن لم يكن من المفيد إعادة نشر محاضر الإجتماعات والمناقشات التي رافقت التمديد للقادة العسكريين والأمنيين نهاية الصيف الماضي. فالظروف نفسها وكذلك أطراف الخلاف والوسطاء والحجج والمخارج القانونية. لكنّ الجديد هو أنّ الصفقة يمكن أن تمرّ بنصف سلّة تعيينات فلا مسّ بقائد الجيش قبل انتخاب رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلّحة. كيف ولماذا؟
لا يمكن لمَن يقرأ الأزمة الحكومية الجديدة التي تجاوزت في شكلها ومضمونها السلبي مرة أخرى كلّ القرارات والتفاهمات، والمساعي المبذولة لتفعيل العمل الحكومي، إلّا أن يرى أنّ كلَّ ما يُبذل لن تؤتى ثماره طالما أنّ الإستحقاق الرئاسي عاد الى الثلاجة عقب المبادرات المتناقضة التي سدّت الطريق الى إنهاء الشغور الرئاسي.
على هذه الخلفيات، تجدّد الجدلُ نفسُه في الأوساط الحكومية والحزبية عندما كرّر «التيار الوطني الحر» الطرح عينه بتعديل بسيط في الأسماء والمواقع. فهو يعلن في السرّ والعلن أنْ لا عودة الى مجلس الوزراء قبل أن تكون التعيينات في المواقع القيادية في المؤسسات العسكرية والأمنية الممدَّد لها أو تلك التي ستشغر في رأس جدول أعمال أيّ جلسة حكومية مقبلة.
يقول العارفون إنّ وزير الخارجية جبران باسيل أنجز نصف تفاهم مع رئيس الحكومة تمام سلام على آلية العمل الحكومي قضى بالعودة الى الآلية التي كانت قائمة قبل الأزمة السابقة وانتهت بالتمديد للقادة العسكريين والأمنيين.
ويضيفون أنّ هذا الإنجاز الذي تحقّق على هامش المشاورات المفتوحة التي سبقت ورافقت الإجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب في القاهرة ورافقته، فتح كوّة في التفاهم المطلوب، لكنّ سلام ردّ الشقّ المتصل بالتعيينات الى الأطراف التي تخالف «التيار» رأيه، مؤكداً استعداده لرعاية أيّ تفاهم فور إنجازه.
وعلى رغم ردات الفعل العربية والداخلية، فقد تجاوز لبنان القطوع وعبّرت الدول الممتعضة من الموقف اللبناني، ولا سيما منها السعودية عن تفهم للموقف اللبناني جراء الحساسية المرتبطة بكون «حزب الله» مكوِّناً في الحياة السياسية اللبنانية، فاستحق الموقف اللبناني العفو على رغم الضجيج الذي يتحدث عن عقوبات قد تطاول اللبنانيين في الخليج العربي.
وعلى رغم أهمية الإنجاز الذي تحقق، لم يقفل الخلاف بين «التيار» والوزراء الآخرين، ذلك أنّ «التيار» كرّر مطالبته، بما سبق أن فشل في تحقيقه من التعيينات العسكرية، وحصرها مجدّداً بتعهد مسبَق بتعيين قائد جديد للجيش ورئيس الأركان فور نهاية الولاية الممدَّدة لهما والممتدة الى 30 أيلول المقبل وقبلهما نهاية ولاية الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع في 21 آب، وبأن يختار «التيار» العضوين الأرثوذكسي والكاثوليكي في المجلس العسكري.
ولكن، ظهر أنّ وزير الدفاع سمير مقبل ومعه وزيرَي الشباب والرياضة والمهجّرين ووزراء الكتائب والمستقلّين المسيحيين لم يستجيبوا حتى الأمس لمطالب عون، في ظلّ تمسكهم بمبادئ الأقدمية والكفاية والتراتبية وطَرْح سلّة من 3 أسماء ليُعيَّن واحد منهم بإجماع مجلس الوزراء من دون استفزاز عون.
وبناءً على ما تقدّم، لا يبدو في الأفق أنّ وساطة برّي ومساندة حلفاء عون ستغيّران في المعادلة شيئاً ما لم تُجزّأ. فلم ينسَ لا وزير الدفاع ولا قائد الجيش مدعومَين من وزراء الكتائب والمستقلّين المسيحيين ما عليهما فعله لتأمين الأسماء المرشَّحة للمواقع تعييناً او تمديداً من دون موافقة عون.
ولذلك فإنّ السيناريو الذي يتحدث عن التجزئة قد يعدّل شيئاً في ما سبق من سيناريوهات بفوارق بسيطة، ومردّ ذلك الى ما طُرح في الساعات الماضية من اقتراحات تُبقي المواقع القيادية خارج أيّ تسوية وحصر التفاهم إن أمكن بأعضاء المجلس العسكري الثلاثة المنتهية ولايتهم، ما قد يفتح الباب «نصف فتحة» على «نصف سلّة» يسمي من خلالها عون أحد أعضاء المجلس العسكري مع إحتفاظ وزير الدفاع وقيادة الجيش بـ»حقّ الفيتو» ويبقى مصير قائد الجيش مرتبطاً بإنتخاب رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلّحة.
وبناءً على ما تقدّم، لن يكون مستغرَباً أن تتبخر آمال رئيس الحكومة بتفعيل العمل الحكومي ما لم يوافق عون على «نصف السلّة» ليستمرّ في الدعوة الى عقد جلسات عادية بجدول أعمال إداري روتيني، بغضّ نظر واضح وصريح من وزيرَي «حزب الله»، كما حصل الخميس الماضي وبفارق بسيط يتمثل في حضور وزير تيار «المردة» روني عريجي أيّ جلسة مقبلة. فغيابه عن تلك الجلسة لم يكن وارداً سوى لأنه في الخارج.