IMLebanon

والسلامُ أيضاً سلاح

 

 

«.. سلامُ لبنان هو أفضلُ وجـوهِ الحرب مع إسرائيل، وتعثُّـر السلام في لبنان إنتصارٌ مستمرٌّ لها (1) ..» الإمام موسى الصدر

 

ماذا يعني كلام الإمـام، وهو صاحب الصرخة المقاومة الضارية ضـدّ إسرائيل…؟

إنّـه في المطلق يعني تماماً ما تتوخّاهُ الأثواب الدينية من سلامٍ على أرض الإنسان…

وبهذا يقول القديس «أوغسطينوس»: «لا نصنع السلام لنصلَ إلى الحرب، بل نصنع الحرب لنصل إلى السلام…»

 

كلامُ الإمام في بُعْـدِهِ الوطني يُقارِنُ بين صيانةِ الصيغة اللبنانية وعنصريّـة الوجود الإسرائيلي، أيْ أنّ لبنان المقسّم ولبنان المهدّم ولبنان المتخلّف، والمتقهقر حضارياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً، والمنعزل عن محيطـهِ وعن العالم الكوني، هذا اللّبنان يفقدُ العناصر البنيويّة التي تشكّل مضاربةً حيويـةً للوجود الإسرائيلي.

 

بمعنى آخـر… إذا كانت استراتيجية إسرائيل الوجودية قائمةً على سلاح الحرب، فإنّ السلام يصبح هو أيضاً السلاح المضادّ في مواجهتها.

 

نحن نعلم، أنّ إسرائيل لا تزال تستوحي ذلك الخطاب الذي ألقاه «ونستون تشرشل» في مجلس العموم البريطاني في خريف 1941 حين قال: «يطالبنا اليهود بأنْ نُطلق يـدَهُم في فلسطين والجنوب اللبناني مقابل أنْ تضـع اليهودية العالمية إمكاناتها في خدمـة بريطانيا.

 

وهي تستوحي ما قامت عليه فلسفة القيادي في الحركة الصهيونية «زئيف جابوتينسكي»: «بأنّ العرب هم أعـداء تاريخيون لليهود ويجب التعامل معهم بوحشية وحقـدٍ واستعلاء…»

 

ووفـق هذه الفلسفة، وما جاء في وصايا العهد القديم وتابوت العهد، ترسَّختْ بِـدعةُ الإيمان عند اليهود بأنّ آلهَـهُم المحارب سيقود معركتَهُمْ الأخيرة لتحقيق انتصاراتهم على الشعوب الأخرى.

 

والحقيقة، أنّ آلهَـهُم المحارب ليس ذلك الجبّـار السماوي الذي شيطَنوهُ في النصوص، بلْ هي شيْطنـةُ الجبّار الأرضي الذي ينتصرون بـه في معارك منطقة الشرق الأوسط، والذي يحتمون بـه عبـرَ معارك الإدانـة في مجلس الأمن بواسطة «الفيتـو».

 

هذا يؤكّـد، أنّ المعارك العسكرية لإزالة إسرائيل من الوجود، يستعصي تحقيق أهدافها، ما لم يتـمّ عـزْلُ هذا التزاوج اللّصيق بين إسرائيل والولايات المتحدة.

وهذا لا يعني «أنّـنا نقلّل من أهمية المقاومة، بقدر ما يكون استغلال الفرص السياسية والدبلوماسية أمـراً مُلحّاً لوقْـفِ مجازر الـدم البريء حتى يقضي الله أمـراً كان مفعولا.

 

سؤالٌ يراودُ الأذهانَ البشرية، ويطرحهُ ضحايا الـدم البريء على المنظمات الدولية…؟

 

إذا كانت كلُّ حـرب مهما طـال أمَـدُها لا بُـدّ من أنْ تنتهي بمعاهدة سلام أيّـاً كان المنتصر أو المنكسر، وإذا كانت الحلول السياسية تـتمَّ دائماً بعد الحروب العسكرية، فلماذا لا تكون الحلول الدولية قبل الحروب التي تأتي دائماً على حساب دمـاء الشعوب…؟ إلاّ، إذا «كانت رغباتُ الإنسان تشبَعُ من كـلّ شيء إلاّ من الحرب»: كما جاء في كتاب الإلياذة لمؤلّفـة هوميرس..

 

في خلاصة الوقائع، علينا أنْ نعرف كيف يؤدّي السخاء بالـدم إلى تحقيق الهدف…

إذا كانت المجازر الوحشية التي ارتُكبت في فلسطين قـدْ كوكبتْ حولها تنديداً معظمَ الشعوبِ الحضارية في دول العالم وجامعاتها…

 

وإذا كانت دولـة فلسطين قد نالت العضويَة الكاملةَ في الأمـم المتحدة بشبه إجماع الأصوات.

 

فلماذا لا تستفيد الساحات الدبلوماسية والسياسية ممّا كسَبَـتْه القضيةُ الفلسطينية من دعمٍ دولي غير مسبوق لإقامة الدولة الفلسطينية المرفوضة إسرائيلياً، حتى لا تظلّ دولةً وهمّية تترجّح بين الحرب والسلم، وبين الموت والحياة…؟

 

في زمـن السلم: الأبناء يدفنون الآباء، وفي زمـن الحرب الآبـاء يدفنون أبناءَهُم.

هل يقول لنا قائل: متى تنتهي في هذا الزمان مراسم الدفن…؟

 

-1 مسيرة الإمام الصدر – دار بلال 2000 – الجزء الرابع – ص: 98.