يعم الفرح اللبنانيين أمام كل خطوة تسجّل إنفراجاً في ملف العسكريين اللبنانيين من الجيش وعناصر قوى الأمن الداخلي الذين إختطفهم تنظيما النصرة وداعش من عرسال في عملية لم تتضح أبعادها، كاملة بعد، أقله على صعيد المعلومات المعممة، وإن كانت «الكواليس» قد ضجّت ولا تزال تضج بالكثير مما رافق هذه المأساة الوطنية الكبرى من قيل وقال، ووقائع وأساطير، وخيانات، وتلكؤ هنا وتخاذل هناك في الساعات الأربع والعشرين التي سبقت عملية الإختطاف وخلالها وبعدها… بما في ذلك كيفية خروج المسلحين الإرهابيين وبرفقتهم هذا الكم الكبير من العسكريين الذي بلغ عددهم ثلاثين إستشهد منهم خمسة ذبحاً ورمياً بالرصاص وبقي (25) خمسة وعشرون، ستة عشر منهم كانوا في حوزة النصرة وتسعة في حوزة داعش. وهذا ملف لابدّ من أن يُفتح ذات يوم على الملأ، وثانياً لأخذ العبرة من هذه المأساة المتواصلة منذ الثاني من آب 2014 حتى اليوم، والتي تحمل في طياتها كمّاً غير معقول ولا مقبول من العذاب الجسدي والنفسي الذي لم يصب العسكريين وحدهم وحسب، بل طاول ذويهم الذين عاشوا، ويعيشون معاناة ليس لها حدود أو مثيل… ناهيك بما أوجد عنصراً إضافياً من عناصر الفتنة في منطقة البقاع، لسنا في وارد الدخول في تفاصيلها في هذه العجالة.
ونود أن نشير، هنا، الى أنّ المفاوضات مع جبهة النصرة قد استغرقت، حتى صباح أمس، وقتاً طويلاً جداً، بالرغم من مشاركة دولية «مسموعة الكلمة» لدى الخاطفين أمثال قطر وتركيا… فكيف سيكون الحال مع «داعش»، هذا التنظيم الإرهابي الذي يتمدّد على 225 ألف كيلومتر مربع من الأراضي السورية والعراقية، ويعلن دولة الخلافة المزعومة. ويسيطر على حقول نفط عراقية وسورية، ويركّز دولته (الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام) على تلك المساحة الشاسعة التي تتجاوز مساحتها مساحة بريطانيا العظمى كما بات معروفاً لدى القاصي والداني.
ومن المفترض إيجاد سبيل ما لبدء مفاوضات مع داعش، ولو باعتراف مسبق بصعوبتها، خصوصاً وأنّ العسكريين التسعة المختطفين لديها مقطوعة أخبارهم منذ نحو ثلاثة أشهر ونصف الشهر.
وفي غمرة الخبر عمّا آلت إليه المفاوضات مع النصرة يمكننا أن ننظر الى الإيجابيات، هنا، ما كان منها واقعياً أو إفتراضياً على أنها وليدة المناخ الدولي والإقليمي العام الذي أخذ يخيّم فوق سوريا في أجواء توحي، من دون أدنى شك، بأن ثمة تسوية كبرى يجري طبخها على نار هادئة … بل إنه يمكن إدراج إسقاط الطائرة الروسية في إطار المؤثرات التي تسبق الطبخات الكبرى سيّان أكانت النتيجة مطابقة للمخطط أم مغايرة له.
وبقدر ما نرحّب بكل خطوة إيجابية وبأي باب إنفراج يتعلق بأبنائنا العسكريين لدى النصرة، بقدر ما نستعجل اللواء عباس إبراهيم أن ينطلق في الخطوة الثانية التي لابد منها: العسكريون لدى داعش.
يبقى أنّ اللواء عباس إبراهيم، مدير عام الأمن العام كان مصيباً عندما دعا الى التحفظ وعدم الإغراق في التفاؤل تداركاً لتداعيات أي نكسة على ذوي العسكريين…
برّد اللّه قلوبهم.