يَضع أهالي العسكريين المخطوفين أيديهم على قلوبهم في هذه الأيام: هل الضغطُ العسكري على «داعش» و»النصرة» في سوريا سيسهِّل إنقاذَ العسكريين، أو سيكون مدخَلاً إلى ضياعٍ لا تُعرَف عواقبه؟
يبدو العسكريون المخطوفون عند مفترق حاسم: فالخاطفون قد يبرمون الصفقة ويطلقونهم بعد الحصول على «الثمن الأغلى». وعلى العكس، قد يكونون أمام خيار سلبي، إذ يحتفظون بالورقة الثمينة لاستخدامها لاحقاً، عندما تشتدّ عليهم الضغوط العسكرية ويصبحون في وضعٍ أشدَّ إحراجاً لهم.
ولكن، بين هذا الخيار وذاك، يخشى الأهالي أن يمرَّ الخاطفون بلحظة جنون، تحت وطأة الضغط العسكري الروسي- الإيراني، فيحدث ما لا تحمد عقباه. ولذلك، سارعوا إلى استنفارهم الاستثنائي بالنزول إلى الشارع. لعلهم يُجبرون الحكومة على وضع الملف كأولوية، وسط المخاوف من استمرار جهات داخلية في استثمار الملف سياسياً، سواءٌ بالعرقلة أو بالمزايدات التي قد تذهب بالعسكريين «فرق عملة».
وهناك اقتناع بأنّ عدم إطلاق العسكريين سريعاً سيجعلهم رهينة المواجهة العنيفة المتوقعة حول دمشق والمدن الكبرى، فيكونون جزءاً من مساومة شديدة التعقيد بين لبنان وسوريا. ويثق الأهالي في التطمينات التي يحصلون عليها من اللواء عباس إبراهيم، المُمسك بالملف، لكنّ التطورات العسكرية في سوريا تثير القلق من مفاجآت.
وإذا كانت «داعش» و«النصرة» تتعرَّضان اليوم لمعركة حياة أو موت، في شمال سوريا ووسطها، فإنّ أيّ طرف يبلغ وضعاً مصيرياً قد يتصرف انتحارياً ويرتكب مغامرات غير محسوبة. وهذا ما يثير المخاوف على سلامة العسكريين.
ويتوقع الخبراء أن تتّسع الضربات الجوّية الروسية من الشمال نحوَ العاصمة والخطّ المحاذي للحدود مع لبنان، ولاسيما القلمون، حيث ستتمّ حماية التقدُّم الإيراني برّاً، وتوفير السبل لاجتياح العديد من المناطق. وعندما يزداد الضغط العسكري في بقعة دمشق- القلمون، قد يتوغل المزيد من عناصر «داعش» و«النصرة» في القلمون الغربي وجرود عرسال. وعندئذٍ، سيستخدمون العسكريين المخطوفين درع حماية لهم.
ويرى البعض أنّ تراجع قوة التنظيمَين في سوريا سيدفعهما إلى القبول بصفقة تبادل للمخطوفين العسكريين والتخلّص من أعباء الملف. لكنّ آخرين يعتقدون أنّ الضغوط على التنظيمين ستزيد الملف تعقيداً، وتدفعهما إلى التمسك به حتى اللحظات الأخيرة للمساومة.
ولذلك، يسعى المعنيون إلى استباق التصعيد الواسع المنتظر في سوريا، ومحاولة إنهاء أزمة العسكريين باكراً. لكنّ هذه المساعي تصطدم بسلبية الخاطفين، ولاسيما «داعش» التي لا وساطات معها ولا معلومات واضحة عن مصير المحتجزين لديها.
ويتردّد أنّ «داعش» تقوم بعملية الاحتجاز داخل الأراضي السورية، وهذا الوضع أشدّ خطراً. فيما «النصرة» تبقي العسكريين الذين تحتجزهم في جرود عرسال. ويشيع البعض أنها تخبّئهم في أماكن معيّنة داخل البلدة. لكنّ هذه المعلومات تنفيها الأوساط العرسالية المواكبة، وتعتبرها من نوع التسريب المسيء لعرسال.
ويبدو الملف أيضاً رهينة التجاذبات بين الوسطاء الإقليميين، ولاسيما تركيا وقطر. وقبل فترة، تردّدت معلوماتٌ عن عراقيل تركية عطلت إطلاق المخطوفين لدى «النصرة»، عن طريق تحريضها على رفع سقف شروطها، بحيث تشمل إقرار السلطات اللبنانية بتسهيل مرور العناصر من سوريا إلى لبنان، عبر الممرّات الوعرة في جرود عرسال وإخلاء موقوفين في السجون السورية.
في أيّ حال، هناك سيناريوهات عدة للمفاعيل التي يمكن أن يتلقاها لبنان بتأثير من المتغيّرات العسكرية في سوريا. ولا يستبعد بعض المحللين أن تلجأ «داعش» و«النصرة» والتنظيمات الرديفة إلى لبنان، عندما تجد نفسها محشورة عسكرياً ومجبَرة على الخروج من أرض المعركة في سوريا.
وعندئذٍ، يقول المطّلعون، ستصبح المواجهة مع هذه القوى اضطرارية في لبنان، بدءاً من القلمون وجرود عرسال، وانتهاءً بالثغر الكثيرة التي قد تلجأ هذه التنظيمات إلى تحريك خلاياها النائمة و«المستيقظة» فيها. ومن هذه الثغر بعض مناطق الشمال وعين الحلوة وسواها. وخلال ذلك، سيكون العسكريون المخطوفون ورقة ابتزاز يستخدمها الخاطفون.
منذ اللحظة الأولى، في آب 2014، أرادت «داعش» و«النصرة» أن يكون العسكريون مادة ضغط وابتزاز جاهزة للاستعمال عند الحاجة، خصوصاً في جرود عرسال. والسبب الحقيقي لفشل كلّ الوساطات هو أنّ التنظيمين لا يريدان التخلّي عن هؤلاء العسكريين، وهما لا يزالان يحتاجان إلى هذه الورقة.
فهل تؤدّي التطورات العسكرية في سوريا إلى تغيير المعطيات؟ وهل آن الأوان لصفقة التبادل أم يستمرّ الابتزاز؟
الضربات الروسية تسهِّل إنهاءَ ملفّ العسكريين المخطوفين أم تزيد التعقيدات؟