أدانت المحكمة العسكرية ضابطاً في الجيش يدّعي الجنون بتهمة العمالة للاستخبارات الإسرائيلية، وحكمت عليه بالسجن ثماني سنوات. وفي الجلسة نفسها، استجوبت نجل الشيخ داعي الإسلام الشهّال، جعفر الشهّال، في الاتهامات الموجهة إليه حول علاقته بتنظيمي «النصرة» و«داعش»
كما في كل مرّة، أُدخل المقدم في الجيش اللبناني شهيد تومية محمولاً على كرسي بلاستيكي. بثيابه البالية وقدميه الحافيتين، مَثل أمام هيئة المحكمة العسكرية للمرة الأخيرة قبل صدور الحكم. تومية الذي أُدين بجرم التعامل مع العدو الإسرائيلي، استمر في تقديم نفسه كـ«مجنون فقد عقله». بلحية كثة وشعر منفوش وحركات مريض عقلي دافع عن نفسه. وبعد مرافعة وكيله جوزف مخايل، تكلّم تومية وبكى. طلب من العميد خليل إبراهيم أن يرحمه ليعود إلى عائلته ومنزله.
تلا الضابط الموقوف فعل الندامة: «نادم على كل شي. مش شايف شو صار فيي ووين صُرت». استعاد الفترة التي قضاها في المستشفى العسكري مدعياً أنه صُلب هناك وتعرض لـ«الضرب والتعذيب». وأردف قائلاً: «بُطلب ترحمني. أنا دمي للجيش». هنا عقّب العميد إبراهيم ممازحاً وكيل الموقوف: «مرافعة شهيد أهم من مرافعتك»، ولا سيما أن وكيله استغرق نحو ثلثي ساعة في مرافعته التي استعرض فيها تقارير الأطباء النفسيين الذين تناوبوا في الكشف عليه. وخلص المحامي إلى تشخيص مرض وكيله النفسي بـ«الانفصام الزوراني». استعاد بعضاً من هلوساته، مكرراً رواية أن تومية «في إحدى المرات وضع قماشة على عينه راسماً عليها صليب ليمنع دخول الشيطان». وعزز فرضيته بالقول إن والد الموقوف كان عسكرياً وقد أُدخل عام 1960 إلى دير الصليب لأنه كان يعاني من أمراض نفسية، معتمداً فرضية انتقال المرض بالوراثة، ما يستوجب منحه الأسباب التخفيفية. فـ«الجنون» يجبّ العمالة هنا، ويمحو تاريخاً امتدّ لعشرين عاماً من الخيانة والعمالة لمصلحة استخبارات العدو الإسرائيلي. هيئة المحكمة أصدرت حكمها بسجن تومية ثماني سنوات وتجريده من حقوقه المدنية، علماً أنه موقوف منذ عام 2009. ووفق حسابات السنة السجنية، يعني ذلك فعلياً انتهاء فترة محكوميته.
جلسات «العسكرية» كانت عامرة أمس. إلى الموقوفين في أحداث طرابلس ومحاكمة آمر سجن رومية العقيد غسان المعلوف بإدخال مخدرات إلى السجن، التي أُرجئت إلى جلسة الحُكم، استمع العميد إبراهيم إلى الموقوف جعفر داعي الإسلام الشهّال الذي أدرجت «جبهة النصرة» اسمه على لائحة الذين تطالب بمبادلتهم بالعسكريين المخطوفين لديها. مثل الشاب العشريني، المتهم بالانخراط في صفوف تنظيمات إرهابية مسلحة (داعش والنصرة) وتقديم الدعم اللوجستي لها والتواصل مع قادتها والعمل على نشر فكرها الإرهابي، للمرة الأولى أمام هيئة المحكمة. افتتح كلامه مدعياً أن ملفه سياسي: «أنا أحاكم هنا بسبب والدي الشيخ» داعي الإسلام الشهال مؤسس التيار السلفي في لبنان. هزّ العميد رأسه: «الآن سنرى».
سرد الشهال وقائع رحلته من أوكرانيا حيث كان يدرس إلى لبنان فسوريا عام 2013، مشيراً إلى أن والده أوفده إلى سوريا للقاء مسؤول الهلال الأحمر التركي علاء الهبّول لـ «دعم اللاجئين السوريين بمساعدات طبية». ونفى الشهال أي علاقة له بتنظيم «داعش»، مشيراً إلى علاقة ربطته بالمسؤول الإعلامي لـ«جبهة النصرة» أبو منذر الشامي عبر الشيخ مصطفى الحجيري (أبو طاقية) الذي تتلمذ على يدي والده. قال إن ثقة الأخير به دفعت الحجيري إلى تزكيته لدى «النصرة» لتكليفه إيصال رسائل للسياسين وأهالي المخطوفين. وأفاد الشهال بأن مسؤولي «النصرة» زودوه أرقام أهالي المخطوفين لإبلاغهم بقرب صدور تسجيل مصور لأبنائهم لطمأنتهم عنهم. وقال إنه يُحاكم على تقرير تلفزيوني ساعد قناة الجديد في إعداده، عبر تنسيق إجراء مقابلة مع أحد عناصر «داعش» عبيدة العبدو الذي كان قد طلب منه وصله بإحدى القنوات التلفزيونية، نافياً علمه المسبق بانتماء الأخير إلى «داعش». وكشف الشهال عن تعاونه مع جهاز الأمن العام عبر المقدم خطار ناصر الدين، مشيراً إلى أنه فور تواصل «النصرة» معه عمد إلى إبلاغ الضابط المذكور بالتواصل، فمنحه الأخير الضوء الأخضر للمضي قدماً. خلط الشهال الأمن بالسياسة. تحدث عن انحياز بعض ضباط الجيش إلى جانب حزب الله، فقاطعه رئيس المحكمة رادّاً عليه الكلام. التناقض في شهادة الشهال برز في أكثر من مقام. فتارة ادعى فصل مساره عن مسار والده ليظهر أن والده كان المرشد والموجه في أكثر من واقعة، ولا سيما «رحلته الجهادية» إلى سوريا. وفي موقع آخر، تحدث عن منهجه والتزامه الديني، ثم عقّب بالقول: «تدخُلنا وحزب الله في سوريا لم يجلب علينا إلا الويلات»، ليُردف بعدها: «لست متشدداً، فخطيبتي ليست محجبة». خلاصة إفادة الشهال، كشفت عن «طيش واندفاع وصبيانية» انتهيا به حيث هو، فسقط جعفر عندما اعترف بأنه كان «الناطق الإعلامي لجبهة النصرة في لبنان»، ثم عدّلها عندما أردف بأن «ذلك كان بالتنسيق مع الأمن العام». وقد رُفعت جلسة المحاكمة إلى الثامن من تشرين الأول، بعدما قررت هيئة المحكمة طلب الاستماع إلى المقدم ناصر الدين في جلسة سرية.
«أمير إسلاميي رومية» حُرّاً
يخرج الموقوف خالد يوسف المعروف بـ«خالد ملكة» والملقب بـ«أبو الوليد» إلى الحرية السبت المقبل. أمير طابق السجناء الإسلاميين الذي ذاع صيته في عالم الإرهاب داخل «سجن رومية المركزي»، خرج بإخلاء سبيل في قضيتين، لكنه يقضي حُكماً بالسجن خمسة أيام، بناءً على إشارة من المحكمة العسكرية المنفردة بسبب مخالفة مسلكية، يُفترض أن ينهيها السبت المقبل. إخلاء السبيل الأول في قضية مقتل السجين غسان القندقلي. أما الثاني فلدى محكمة التمييز العسكرية في الملف الأساسي الموقوف فيه، وهو حُكم بالسجن لمدة 15 عاماً في قضية تشكيل عصابة أشرار والسطو المسلّح على بنك الموارد في شتوره عام 2008، قضى منها عشر سنوات تقريباً، تبعاً لحسابات السنة السجنية بتسعة أشهر، إضافة إلى دوره في أحداث السابع من أيار في قطع طريق المصنع. ابن بلدة مجدل عنجر «الأمير أبو الوليد» كما اشتهر، هو شاويش طابق الإسلاميين بحكم جنسيته اللبنانية، فيما «أمير» الظل أو الحاكم الفعلي للسجن هما «الشرعيان» سليم صالح الملقب بـ«أبو تراب اليمني» ومحمد صالح الزواوي المعروف بـ«أبو سليم طه»، الناطق الإعلامي باسم تنظيم «فتح الإسلام». سُجّل لـ«أبو الوليد» دور بارز في التنسيق مع الأجهزة الأمنية، لا سيما أثناء تمرد سجناء «رومية» الأخير، حيث ساهم في المرحلة الأولى لعصيان السجناء الإسلاميين في تهدئتهم وإعادتهم إلى غرفهم.