IMLebanon

المطلوب : وقف النار.. أم وقف اللعب بالنار!

 

أعلن الرئيس الأميركي بايدن وقف النار في لبنان لمدة ستين يوماً ابتداءً من 27 تشرين الثاني الجاري 2024، وجاء هذا الإعلان بعد موافقة جهات معنيّة، وليس كل الجهات المعنيّة، على هذا الوقف.. يأتي هذا الالتباس من وجود جهتين معنيّتين بهذا الأمر: جهة رسميّة ممثّلة بالدول المعنيّة أي اسرائيل ولبنان. وجهات غير رسميّة تمثّلها الحركات السياسيّة – العسكريّة- الحزبيّة ومنها “حزب الله” والمنظّمات العسكرية المتواجدة على أرض لبنان وبينها منظمات فلسطينيّة وإيرانيّة وإسلاميّة. هذا الواقع يطرح سؤالاً جوهرياً حول كافة ما يجري وهو: هل نحن أمام إشكاليّة وقف النار؟ أم نحن فعلاً أمام إشكالية وقف اللعب بالنار؟

 

1. ان لبنان الدولة، لبنان الرسمي لم يعلن الحرب على إسرائيل وبالعكس. والذي أعلنها هو “حزب الله”، وبالتالي فإنّ المفاوضات الجارية هي، ويجب أن تكون بين “الحزب” واسرائيل أي بين الجهتين المتواجهتين عسكرياً وتمهيداً للوصول إلى اتفاق لوقف النار بينهما إذا أمكن. وهو ما لم يحصل فعلياً إذ تولّت السلطات اللبنانية التفاوض عن “الحزب” ومن دون أن تكون مكلّفة بذلك رسمياً من قبل “الحزب”. وهنا يقع الإشكال الكبير: الخروج من دائرة وقف النار إلى دائرة وقف اللعب بالنار؟

 

 

2. إن هذا الصراع العسكري الذي شاءت أكثر من جهة، أن تجعل أرض لبنان ساحة مستباحة لها، هو صراع قائم على الالتباسات والتناقضات والمواجهات بين مجموعة قوى:

 

 

– ليس لدى كل منها طروحاته الإيديولوجية الواضحة.

 

– وهي تفتقر إلى الرؤية الجيو- سياسية الذاتيّة والإقليميّة.

 

– وهي تخلط بين ما هو ديني وما هو زمني.

 

 

– وهي تجعل من النشاط العقائدي السياسي باباً للارتزاق .

 

– وهي تجعل من المنفعة والمكسب أولويّة في النشاط السياسي- الفكري.

 

– وهي قوى لا ترى صحيحاً ولا ترى بعيداً!

 

 

 

3. لقد عملت الولايات المتحدة بأسلوب تفاوضيِ احترافي مع المندوب هوكستين وبأسلوب الضغط السياسي مع الرئيس بايدن وبأسلوب الإغراء بالسلاح مع اسرائيل وبأسلوب التهديد مع الجهات الراديكالية الرسمية والشعبية. وبأسلوب العطف مع لبنان وطن الأحرار. أما فرنسا فقد سعت من ضمن دورها الأوروبي والمتوسطي لوقف المجازر في لبنان باعتبارها الأم الحنون التاريخيّة لوطن الأرز. بالمقابل كان وطن الأرز يشكو من فراغ رئاسي مقصود ومن جمود سلطوي يجعل من العمل السياسي مبادرة تجارية على مختلف مستوياته وفي مختلف مجالاته. كما يشكو خاصة من تحوّله، بل تحويله، الى شبه ثكنة عسكرية تخاض فيه السياسة بالسلاح والترهيب، كما يشكو من مافيا المال والمؤسسات المالية التي تنهب مدخرات المواطنين. كل ذلك جعل من لبنان بلداً ذا واقعين: واقع الوجود التاريخي الأصيل كبعد للفكر والحرية، وواقع الوجود الاستثنائي كبعدٍ للتمرّد والإرهاب!

 

 

 

4. وكما يقول ميشال شيحا: إن قيام اإسرائيل على حدودنا لن يجعلنا نرتاح ابداً. وما ينبغي أخذه في الاعتبار دائماً بخصوص الدولة العبرية هو “هاجس المصير”. هذه دولة من ثمانية ملايين مواطن يهودي بين عالم يزيد على ثلاثماية مليون مسلم حولها وبالتالي تشعر دائماً ان مصيرها مهدَّد. ومن أخطائها الجوهرية أنها لا تسعى لأن تجعل من نفسها وجوداً متناسباً مع محيطها إذا أمكن ذلك. وحيث أن الصراع الديموغرافي الجغرافي يتحوّل فوق ذلك إلى صراع ثالث لاهوتي عقائدي يطرح موضوع الأرض، أرض فلسطين على قاعدة نصوص الكتب المقدسة بين اليهود والمسلمين والمسيحيين، فإن هذا الصراع يتخذ بعداً وجودياً حاسماً يتناول الحق في الوجود، ولذا يتخذ هذا الصراع بعداً حاسماً يتمثّل في بعض وجوهه بحروب الإلغاء والإبادة تحقيقاً للبقاء على ما تزعم كل جهة من المتحاربين وذلك دفاعاً عن إرثها التاريخي:

 

 

 

في الخلاصة، إن ما تمّ الوصول إليه من «إنجازات» على الصعيد العسكري والسياسي على يد كافة الجهات من دول وشخصيات سياسية وعسكرية هو أمر حسن ولكنه غير كافٍ. إن المشكلة المطروحة بين إسرائيل وجيرانها هي مشكلة عقائدية إيديولوجية لاهوتية. وحلَّها لن يكون إلا من طبيعة المشكلة. فالسياسة لا تقوم مقام العقيدة الإيمانية، وكل حلّ لمشكلة ما ينبغي أن يكون من جوهر هذه المشكلة. إن الحلول المعلَّبة والسريعة والسهلة والمفروضة لن تحمل الخير والأمان والراحة الدائمة إلى المتواجهين بالنار. فالنار الخارجية هي التعبير عن النيران الداخلية في قلوبهم. وما ينبغي عمله للسلام هو الوصول إلى وقف النار الداخلية الفكرية لدى الجانبين قبل النار الخارجية، نار الحرب. فإذا لم يحصل ذلك نكون أوقفنا الحرب الخارجية وفتحنا الباب للعب بالنار الداخلية. نار الصراعات العقائدية الكبرى إضافةً إلى الهواجس النوويّة!