Site icon IMLebanon

قصة “إنقلاب” بين عمادَيْن

 

 

 

نحن نعيش في منطقة وبين دولٍ تُعدُّ من أكثر الدول التي شهدت انقلابات، غالباً ما كانت تنجح، فيتسلَّم العسكر الحكم، واعداً بانتخابات وباستفتاءات وبعودة الديموقراطية. وحين يتسلَّم الإنقلابيون الحكم، تسيل دماء الحكام المنقلَب عليهم في قصورهم أو في الشارع، أمّا إذا فشل الإنقلاب فدماء الإنقلابيين هي التي تسيل في الشارع.

 

لبنان، منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، إلى اليوم، شهد انقلابان: الأول قاده النقيب في الجيش اللبناني فؤاد عوض، وفشِل، والثاني قام به العميد عبد العزيز الأحدب، وفشِل أيضاً. يمكن القول إن انقلاب عوض كان جدياً، وقد وقع ليل 31 كانون الأول 1961، فيما انقلاب الأحدب كان تلفزيونياً، أذاع فيه بياناً تلفزيونياً في عز حرب السنتين، وتحديداً في 11 آذار من العام 1976.

 

لماذا هذه «الاستفاقة»على الإنقلابات التي لم يعهدها لبنان منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي؟ لأن رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون فجَّر «معلومةً» عن انقلاب حصل في عهده، يأتي هذا الكشف بعد مرور ثلاثة أعوام ونصف العام على وقوعه، وبعد أربعة أشهر ونيف على انتهاء العهد. الرئيس عون، ووفق صحيفة «الشرق الأوسط» في عددها أمس الأربعاء، صارح أصدقاء مشتركين أنّ «هناك من أعدّ للانقلاب عليه أثناء وجوده في القصر الجمهوري وسعى لتنظيم التظاهرات لاجتياح القصر، لكن الوحدات العسكرية التابعة للواء الحرس الجمهوري بادرت إلى اتخاذ تدابير مشدّدة حالت دون وصولهم إليه، برغم أنها تلازمت مع استقالة قائد لواء الحرس العميد سليم فغالي، واستعاض عن غيابه بتكليف مستشاره للشؤون العسكرية العميد المتقاعد ميلاد طنوس بالإشراف على إحباط المؤامرة التي كانت تستهدفه شخصياً».

 

ويُنقل عن الصديق المشترك قوله إن الرئيس عون يغمز في حديثه عن إحباط الانقلاب، من قناة مديرية المخابرات بشخص مديرها آنذاك العميد طوني منصور.

 

عملياً، ماذا حصل في 17 تشرين 2019؟ هل كانت بداية ثورة؟ أم أنقلاب؟ مصادر عسكرية وأمنيَّة، واكبت تلك المرحلة من كثب، تقول إنّ الحديث عن إنقلاب فيه كثير من المبالغة، وتروي أنه بعد اندلاع «ثورة 17 تشرين»، أبلغ الرئيس عون مَن يعنيهم الأمر بأنه «عندي حرس جمهوري، لست بحاجة إلى أكثر»، وعليه فليس دقيقاً أنه حصل تقصير في مكانٍ ما، ما دفع الرئيس إلى الاستنجاد بالحرس، فهو الذي قال إنه يكتفي بالحرس.

 

تتابع المصادر: الزج باسم العميد سليم فغالي ليس في محله، فالعميد فغالي تمت إقالته في 21 شباط 2019، أي قبل ثمانية أشهر من الثورة، ولم يكن هناك فراغ في موقع قائد لواء الحرس الجمهوري، إذ تولاه العميد بسام الحلو. وزيادةً في التدقيق، توضح المصادر أنّ العميد المتقاعد ميلاد طنوس لم يكن مستشار الرئيس عون بل مدير مكتبه، وأنّ مستشاره العسكري كان العميد المتقاعد بول مطر، وأن الذي تولى مسؤولية الحرس هو العميد بسام الحلو وليس أي ضابط آخر.

 

مصدر عسكري رفيع يؤكد أنه لم يكن هناك لا انقلاب ولا مَن ينقلبون، وأنّ «رواية» الانقلاب هي من تقارير قدَّمها بعض المؤثِّرين المحيطين بالرئيس من مدنيين وعسكريين، ويذهب المصدر أبعد من ذلك فيقول: «لو كان هناك انقلاب، فلماذا لم تُعلَن أسماء الإنقلابيين وتتم محاكمتهم؟ إنه أول انقلاب في العالم، يفشل ويبقى الانقلابيون طليقين!»، ويتابع: «أكثر من اجتماع عُقِد للمجلس الأعلى للدفاع، بعد 17 تشرين، ووُضِعَت أمام المجتمعين التقارير عما حدث، فلم يتضمَّن أي تقرير التخطيطَ لانقلاب أو محاولة انقلاب.

 

يستفيض المصدر ويقول: «لنُسلِّم جدلاً أنّ هناك تقصيراً من مخابرات الجيش، فهناك أربعة أجهزة أمنية: مديرية المخابرات، شعبة المعلومات، الأمن العام، أمن الدولة، ورؤساء الأجهزة الآنفو الذِكر كانوا في أحسن علاقة مع الرئيس عون شخصياً، فاللواء عباس ابراهيم كان في زيارات شبه يومية للقصر، واللواء انطوان صليبا بمثابة «الطفل المدلل» للرئيس عون، فلماذا لم تظهر في تقاريرهم ما يعتبره الرئيس عون غير موجود في تقارير مخابرات الجيش؟».

 

يختم المصدر: «كل ما ورد عن رواية الإنقلاب غير صحيح وفيه الكثير من المغالطات». لكن لماذا قال الرئيس عون ما قاله؟ يجيب: «المستهدَف من كل الحديث العماد جوزاف عون».