يُنفّذ الجيش اللبناني سياسة ضبط الحدود بما يتلاءم مع تطورات المعارك في سوريا منعاً لتدفّق الإرهابيين الى الداخل عبر الحدود البقاعية والشمالية. خطوط الدفاع العسكرية…
إحتاجت خطة عزل الحدود من شبعا مروراً بعرسال وصولاً الى وادي خالد والنهر الكبير شمالاً، مدة زمنية طويلة من أجل تطبيقها، لأنه ليس من السهل ضبط حدود على هذا الإمتداد الواسع، خصوصاً أنها شهدت فلتاناً منذ نشأة لبنان الكبير عام 1920، من دون أن تتّخذ السلطات السياسية أي خطوات جديّة لمراقبتها وضبطها على رغم كل التجارب السيئة والمصائب التي كانت تأتي عبرها، فيما شَكّل رفض النظام السوري ترسيم الحدود العائق الأكبر أمام ضبطها.
تبقى الخطط الأمنية في جعبة قيادة الجيش والأجهزة الأمنية، لكن في المقابل، وبعدما سرقت حدود السلسلة الشرقية الأضواء، تعيش الحدود الشمالية استقراراً أقرب الى الانضباط على رغم بعض حالات التهريب التي تشمل المنتوجات والمواد الغذائية والمحروقات.
هناك عوامل عدّة وقفت عائقاً ومنعت تحوّل الحدود الشمالية – العكارية الى حدود شبيهة بتلك التي تحيط بعرسال، لعلّ أبرزها العامل الجغرافي، حيث يفصل لبنان عن سوريا النهر الكبير الذي يشكل سدّاً طبيعياً في وجه تدفّق المسلحين، فيما البلدات ملاصقة بعضها ببعض، وليس من السهل اختباء المسلحين داخلها أو أخذها كمتاريس طبيعية.
أضف إلى ذلك أنّ طبيعة عرسال جبلية وعرة، ولم تبسط الدولة سيطرتها عليها منذ فترة، بينما منطقة وادي خالد والبلدات المجاورة مأهولة وتقع تحت سيطرة الدولة، ولم تشهد المناطق السورية المقابلة أيّ معارك ضارية شبيهة بمعارك القُصير ويبرود والقلمون والزبداني على حدود السلسلة الشرقية.
من جهتها، تؤكد مصادر عسكرية لـ»الجمهورية» أنّ «الجيش باشرَ منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب السورية، ضبط الحدود الشمالية، لكنّ صعوبات كثيرة واجَهته، كان أوّلها غياب القرار السياسي الواضح من السلطة وإعطاء الأمر للجيش بالتصرّف، ليتدفّق بعدها النازحون السوريون بأعداد هائلة، حيث فتحَ لبنان أبوابه وحدوده أمام الهاربين من الموت، وخصوصاً بعد معارك حمص الشهيرة».
وتلفت المصادر الى أنه «بعد تطوّر الأوضاع وتفلّتها في اكثر من منطقة حدودية، خصوصاً بعد معركة عرسال، كان القرار الأمني حازماً بضبط حدود الشمال»، مشيرة الى انّ «الجيش أخذ تجربة البقاع وعرسال في الإعتبار، وسعى إلى عدم تكرارها في الشمال الذي يحوي عناصر متفجرة، ليس أقلّها تغلغل عشرات آلاف النازحين السوريين في البلدات والقرى والمدن، ووضع طرابلس المتفجّر والتي شهدت جولات من القتال العنيف إستمرّت ثلاث سنوات، إضافة الى محاولة التنظيمات الإرهابية إيجاد بيئة حاضنة مذهبياً لعملها العسكري وتمدّدها».
وتكشف المصادر العسكرية أنّ «الجيش ينشر اللواء الثاني وفوج الحدود البري لضبط حدود عكار، وقد وضع خطة طوارئ من أجل مواجهة أيّ مفاجأة محتملة أو خرق للحدود، خصوصاً مع تزايد الحديث عن إمكان وصول التنظيمات المسلحة الى الحدود، وهو عزّز مراكزه عدّةً وعديداً، عبر ربطها بعضها ببعض وشَقّ الطرق وتأمين خطوط الإمداد، وتعزيز ثكنات الشمال إذا ما انهارَ أحد خطوط الدفاع».
وتضيف في هذا السياق: «اذا انهار خطّ دفاع أو سقطَ أيّ مركز نتيجة هجوم مباغت أو عمل عسكري مفاجئ، فإنّ وسائل الإتصال والتنسيق ستُعلِم بقية المراكز لمساندة النقطة التي سقطت، وتترافق هذه التدابير مع انتشار كثيف للجيش المجهّز بتقنيات المراقبة الحديثة والذخيرة الكافية لخوض أيّ حرب قد تُفرَض عليه». وتؤكد المصادر «وجود خطوط دفاع متلاصقة من عكار وصولاً الى طرابلس، منظّمة ومجهّزة بأحدث الأسلحة، ومراقبة من البرّ والبحر والجو.
وما الهدوء الذي يشعر به الشمال سوى دليل على نجاح الجيش في خططه الأمنية والدفاعية، بعد تسديد الضربات المتتالية الى المجموعات الإرهابية، والتي كان آخرها مجموعة ميقاتي في الضنية، والقضاء على مجموعة أسامة منصور».
وسط كل التدابير المتخذة، يبقى رهان المؤسسة العسكرية على احتضان عكار وطرابلس وبقية المناطق اللبنانية للجيش، خصوصاً أنّ عكار هي خزّان الجيش البشري الذي يحارب الإرهاب، وهو الحلّ الوحيد لضبط كلّ سلاح غير شرعي ينال من هيبة الدولة.