يفرح وزير الدفاع العميد المتقاعِد موريس سليم، مع الفرحين في المؤسسة العسكرية لأنّه سينال المساعدة الإجتماعية، وهي البحصة التي تسند خابية الراتب، لكنّ فرحته شابتها غصَّة لأنّه لم يكن المُسهِّل لهذه المساعدة، بل إنّ موقفه كاد أن يحرم العسكريين منها، ولو موقتاً، بعدما اشترط أن يُمهَر المرسوم بتوقيع جميع الوزراء، فصدر بتواقيع الوزراء المختصين فقط. بالتأكيد لم يكن الوزير سليم يرضى لنفسه أن يكون في هذا الموقف، الذي فرضه عليه رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، فوقَع في حرجٍ كبير، إذْ كيف يضع عينيْه في عيني مرافقِه العسكري أو الذي يؤدي له التحية عند دخوله إلى مكتبه في وزارة الدفاع؟ فعناصر الجيش، من كل الرتب، باتوا يحسبونها «على القرش»، وكل قرش، من مستحقاتهم، ينقص، يتسبب لهم بأزمة معيشية. هذه المعاناة يعرفها جيداً قائد الجيش العماد جوزاف عون، ومن هنا كان سعيه لتأمين المساعدة المالية من الدولة القطرية، والتي وفَّرت مئة دولار «فريش» لكل عسكري، أياً تكن رتبته، والمعلومات تتحدَّث عن أن الدولة القطرية تدرس مواصلة تقديم المساعدة بعدما ارتاحت إلى طريقة توزيعها التي تميَّزت بشفافية مطلقة.
في حسبةٍ بسيطة، فإن العسكري بات يحصل على المكتسبات التالية:
أساس الراتب، متممات الراتب، أو ما يسمَّى المساعدة الاجتماعية، المئة دولار «فريش» التي توازي أربعة ملايين وخمسمئة الف ليرة تقريباً، النقليات مجاناً، الطبابة المجانية، بالإضافة إلى أنّ القيادة سمحت للعسكريين بأن يعملوا يومين في الأسبوع خارج المؤسسة، ما يتيح لهم توفير بعض المال من جراء هذا العمل، هذا عدا المساعدات العينية التي توفرها القيادة للعسكريين، من هِبات ومتبرعين، بعدما تمنَّت القيادة على هؤلاء المتبرعين أن يستعيضوا عن تقديم الهدايا بتقديم تبرعات للمؤسسة العسكرية.
هذه «الباقة» التي تشمل الراتب، وصولًا إلى كل المساعدات الآنفة الذِكر، أعادت الطمأنينة إلى العسكريين، وخلقت جواً من الإرتياح كان من نتيجته «زحمة» طلبات تطوُّع، تكشف مصادر موثوقة من داخل المؤسسة أنها بلغت قرابة السبعة آلاف طلب تطويع، بالإضافة إلى مَن مُدِّدت خدماتهم. وتضيف هذه المصادر أنّ حالات الفرار انحسرت بشكلٍ تدريجي وسريع، وأكثر من ذلك بلغ الملتحقون، بعدما فروا، الألف وثلاثمئة ملتحِق، وفي الأرقام أيضاً أنّه تمّ تسريح أكثر من ثلاثة آلاف. خطة عدم انهيار المؤسسة، مادياً ومعيشياً، والذي يؤثِّر على معنويات العسكر، انجزتها القيادة بشكلٍ لفت الأنظار داخلياً وخارجياً. المخضرمون يتذكَّرون النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي، حين كانت المساعدات النقدية تأتي «بالشنط»، يتولى نقلها عميد، مقدَّمة من رجل أعمال، وتُوزَّع استنسابياً، اليوم لا «شنط» ولا عميد ينقل، بل تحويلات وكشوفات، وللجميع من دون استثناء. هذا الواقع «قَلَبَ الآية» من فرار إلى رغبة في التطوُّع، فهل تتعلَّم سائر مؤسسات الدولة من هذه الأمثولة؟