IMLebanon

ملف العسكريين المخطوفين: كلمة السرّ لدى «أبو طاقية»

بعد عشرة أشهر من المناورة، اختار الشيخ العرسالي المثير للجدل، «أبو طاقية»، الالتحاق علناً بـ»جبهة النصرة». الرجل الذي كان يطمح إلى تسوية ملفه القضائي يبدو أنه فقد الأمل، فقرر اعتماد خيار «اللاعودة»

احتاج الشيخ مصطفى الحجيري المشهور بـ«أبو طاقية» إلى عشرة أشهر، منذ خطف العسكريين في عرسال، كي يحسم خياره. بعدما يئس من طول انتظاره تسوية قضائية لأوضاعه، التحق بركب مسلّحي الجرود. في اليومين الماضيين، قطع الحجيري «شعرة معاوية» التي حافظ عليها طويلاً، فأعاد تغريد أقوال أمير «النصرة» في القلمون أبو مالك التلّي على حسابه على تويتر.

كرر مع التلّي: «لن أخرج من جبال القلمون إلا منتصراً أو في تابوت. ولسنا بوارد الانسحاب إلى الشمال وغيره، وسنقاتل حتى آخر مجاهد فينا». سبق ذلك بتغريدات تنال من «جيش الغدر والنفاق المسيّر من حزب اللات الإيراني». حتى الآن، يبدو أن «أبو طاقية» حسم خياره أو يكاد، بعدما حرص سابقاً، أقلّه إعلامياً، على الظهور مظهر المحايد، واجتهد في تقديم نفسه بهيئة المغلوب على أمره في مواجهة المجموعات المسلّحة التي اقتحمت عرسال. على الأقل، هذه الصورة التي خرج بها الحجيري عقب انتقال المخطوفين الذين أكّد أنهم في «أمانته» إلى أيدي «جبهة النصرة». يومها، أكّد ــــ من دون أن يصدّقه ــــ أحد أنه أُجبر على تسليم «الأمانة»، علماً بأنه تعرض فعلاً لتهديدات من مسلحين يدورون في فلك «الدولة الإسلامية».

هل تيقن الرجل أن التسوية مستحيلة، فاختار الالتحاق علناً بـ«النصرة»؟

هل تيقن الحجيري أن تسوية ملفه القضائي مستحيلة، فالتحق بـ«النصرة»؟

قبل الأحداث السورية، في 2011، لم يكن الحجيري، الذي اشتُهر بطاقيته البيضاء، شيخاً عادياً في عرسال، بل كان أحد وجهائها وله مريدون بين أبنائها. فضلاً عن أن علاقاته بأبناء القلمون والقصير، المجاورين، تعود إلى أيام التجارة والتهريب. تصدّى الشيخ العرسالي، عقب اندلاع الأحداث، لتأمين حاجات النازحين السوريين وقدّم أراضيه لبناء مخيمات لهم، ما وثّق علاقته بالمجموعات المسلّحة بعد إيوائه عوائل مسلّحيها. ومع تطور الأحداث، تعزّزت علاقته بـ«النصرة» بعدما وضع إمكاناته في تصرف التنظيم الصاعد، ووصل التنسيق الى حدّ أن «أبو مالك» كان يطلب من «أبو طاقية» استدعاء أحد النازحين بالقوة أو جلب آخر للتحقيق معه في شبهة معينة أو لاستيضاح مسألة ما. كلّه كان يجري بعيداً عن الإعلام، في ظل غياب الدولة عن عرسال، لكنه كان يوثق في تقارير أمنية. كذلك لعب الحجيري دوراً في التوسط لإطلاق صحافيين خُطفوا في الداخل السوري، وتردد أنه ربما كان متورطاً في عمليات الخطف وفي الحصول على نسبة من الفدية.

غير أن ما بعد اقتحام المسلحين لعرسال في الثاني من آب الماضي، لم يعد كما قبلها. وُضِع «أبو طاقية» في دائرة الشبهات بعد اختطاف العسكريين. يومها حاول الرجل استغلال الأمر لتبييض صفحته لدى الدولة اللبنانية من دون أن يضرب العلاقة التي تربطه بـ«القاعدة». ظن الحجيري، وهو صاحب مقولة «أُسلّم نفسي عندما يصبح هناك عدل في القضاء»، أنّه قد ينجح لدى القضاء في تسوية أوضاعه وأوضاع نجليه براء وعبادة. وكان الأول قد أوقف في كانون الأول 2013 على حاجز وادي حميد بتهمة الارهاب، فيما يُتّهم ابنه الأكبر عبادة بـ«المشاركة في قتل أربعة شبّان من آل أمهز وجعفر في وادي رافق، وفي قتل الضابط بيار بشعلاني والمعاون أول ابراهيم زهرمان في عرسال». فضلاً عن كونه من بين الأسماء التي ذكرها وزير الدفاع السابق فايز غصن بتهمة نقل السيارة المفخخة التي فُجِّرت في الرويس في آب 2013. دخل الرجل في الوساطة وتمكن بـ«المونة» من تحرير عدد من العسكريين المخطوفين لدى «النصرة»، وهو ما نُسب يومها إلى «هيئة علماء المسلمين». غير أنه لم يتمكن من الاستمرار في الوساطة، تحت وقع الضغوط السياسية التي طالبت بإخراجه للاشتباه في كونه الخاطف والمفاوض في آن واحد. ابتعد «أبو طاقية»، مبقياً على علاقة جيدة مع الوزير وائل أبو فاعور، ليفسح في المجال أمام مفاوضين آخرين باؤوا بالفشل جميعهم. ولكنه «قبض» قبل ذلك جزءاً من ثمن الوساطة. فقد أُخلي سبيل ابنه براء في 24 كانون الأول 2014، مقابل كفالة قدرها 3 ملايين ليرة. غير أن تعقّد المفاوضات في مرحلة لاحقة، وإعدام «النصرة» اثنين من العسكريين المخطوفين، استحال ثأراً عشائرياً شخصياً مع «أبو طاقية» نفسه، الذي يعتبر متورّطاً في نظر أهالي العسكريين وجزء كبير من اللبنانيين. علماً بأن الحجيري لا يزال ناشطاً على خط نقل الأهالي من عرسال إلى الجرود وبالعكس.

ينقسم اللبنانيون حيال «أبو طاقية» بين منادٍ بمحاسبته بوصفه المسؤول عن كل ما يجري، ومن يدعو إلى الاستفادة منه لإنجاز التسوية في عرسال. إلا أن الثابت أن «أبو طاقية» وحده يملك كلمة السر لتحرير العسكريين المخطوفين، كذلك إن تسوية ملفه هي جزء لا يتجزأ من الحل في عرسال.