استوقفتني دعوة نائب رئيس مجلس النواب الياس الفرزلي قيادة الجيش إلى تسلّم السلطة في لبنان وتعليق الدستور، ولا شكّ في أن هذه الدعوة تلقى تجاوباً في خواطر الكثير من اللبنانيين الذين يظنّون، عن خطأ أو عن صواب، أن لا حلّ إلا بالجيش، والواقع أن لبنان خاض تجارب الحكومة العسكرية غير مرّة، ولكنّها لم تصل إلى نتيجة. والعكس صحيح. فالحكومات العسكرية وُلدت ميّتة.
في العام 1952، وقُبيل استقالته تحت ضغظ الشارع في ثورةٍ سلميّة، أصدر رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري مرسوماً بتكليف قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئاسة الحكومة التي كانت مهمّتها التمهيد لانتخاب رئيس جديد. ولم تمضِ إلا أيامٌ معدودة، حتى انتخب مجلس النواب الرئيس كميل شمعون.
الحكومة العسكرية الأولى كانت سادس الحكومات في عهد الرئيس سليمان فرنجية، والخمسين بعد الاستقلال، شُكّلت بعد اندلاع «حرب السنتَين» في المرسوم 10443 في 23 أيار 1975، ولم تتمكّن من المثول أمام مجلس النواب، وكانت برئاسة اللواء المُتقاعد نور الدين الرفاعي، فاضطُرت إلى الاستقالة في الأول من تموز من العام ذاته. وكان من أبرز أعضائها قائد الجيش العماد اسكندر غانم، بحقيبتَي الدفاع الوطني والموارد المائية والكهربائية.
الحكومة العسكرية الثانية شُكّلت في الدقائق الأخيرة من عهد الرئيس أمين الجميل قُبَيل منتصف ليل 22-23 ليل أيلول 1988، وضمّت الضباط الأعضاء الستة في المجلس العسكري على النحو الآتي: العماد ميشال عون (ماروني – رئيساً للوزراء ووزيراً للدفاع والإعلام)، العقيد عصام أبو جمرة (أرثودكسي – نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للبريد والمواصلات والإسكان والتعاونيات والاقتصاد والتجارة)، العميد إدغار معلوف (كاثوليكي – وزيراً للأشغال العامة والنقل والسياحة والعمل)، العميد محمد نبيل قريطم (سني – وزيراً للخارجية والمغتربين والتربية الوطنية والفنون الجميلة والداخلية)، العقيد لطفي جابر (شيعي – وزيراً للموارد المائية والكهربائية والزراعة والعدل)، اللواء محمد طي أبو ضرغم (درزي – وزيراً للأشغال العامة والنقل والسياحة والعمل).
ومعلومٌ أن الوزراء السني والشيعي والدرزي لم يُشاركوا في أي اجتماع، فاستمرّت الحكومة العسكرية مبتورة، تُقابلها حكومةٌ كانت مُستقيلة حكماً بوفاة رئيسها (الشهيد رشيد كرامي)، وتم إحياؤها بحكم الظروف وضراوة الأحداث الأمنية والسياسية والانقسام الحاد في البلد، وترأسها الرئيس سليم الحص، أمدّ الله بعمره. واستمرّت الحكومتان معاً حتى سقوط القصر الرئاسي في بعبدا بغارات الطيران السوري.
وأخيراً، نذكر التجربة الكاريكاتورية، عندما أعلن اللواء عزيز الأحدب، قائد منطقة بيروت العسكرية، الانقلاب على فرنجية وتعيين ذاته حاكماً إصلاحياً. ولكن انقلابه لم يتعدَ لحظات ظهوره وإعلان البلاغ رقم واحد من على شاشة التلفزيون، وكان ذلك مساء 11 آذار 1976.