منذ مساء الجمعة الماضي، حالة ترقّب للحظة وصول العسكريين الـ16 المخطوفين لدى «جبهة النصرة» الى مقر المديرية العامة للأمن العام في المتحف. لم يعد بإمكان أهالي العسكريين الانتظار داخل خيمهم في ساحة رياض الصلح، بل قرّر معظمهم الانتقال إلى منطقة عين الشعب المتاخمة لبلدة عرسال. هناك سيشاهدون حتماً السيارات التي ستنقل أبناءهم من الجرود وسينثرون عليها الأرز والورود ويوزعون الحلوى. نعم، هكذا كانت «الخطة».
ليس الأهالي وحدهم من عدّل برامجه من أجل إنجاح المفاوضات، بل إن المعنيين تأهبوا أيضاً بانتظار ساعة الفرج. كلّ المعطيات تؤكّد أن المقايضة وضعت على السكّة الصحيحة، مع تلبية السلطات اللبنانيّة كل المطالب غير التعجيزيّة التي طرحتها «النّصرة» من دون المسّ بـ «الخطوط الحمراء» التي رسمها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.
وعليه، كانت اللائحة المرسلة من «النصرة» بأسماء الموقوفين والموقوفات في السجون اللبنانيّة والسوريّة، أقرب ما تكون الى مطالب شخصيّة لقياديين في التنظيم بإطلاق سراح زوجاتهم وأطفالهم أو حتى أقاربهم مقابل العسكريين، بالإضافة إلى الكلام الذي سرى على مواقع التواصل الاجتماعي بأن الصفقة تتضمّن أيضاً خروج إمام عرسال مصطفى الحجيري «أبو طاقية» من البلدة إلى الجرود، فضلاً عن مطالب أخرى أيضاً أبرزها إرسال مواد غذائية ومحروقات وبطانيات الى مخيمات النازحين في الجرود وفيها عدد كبير من عائلات مسلحي «النصرة» و «داعش».
ولذلك، لم يفكّر رئيس الحكومة تمّام سلام كثيراً، بين خياري السفر إلى باريس للمشاركة في قمة المناخ العالمية أو متابعة تطورات ملف العسكريين «حتى إيصاله الى نهايته السعيدة». وهكذا قرّر «دولته» الخيار الثاني بإلغاء رحلة باريس وطلب من ممثل لبنان في الأمم المتحدة السفير نواف سلام أن يمثله فيها!
وفي الوقت نفسه، قرّر المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أيضاً أن يبيت ليلة السبت ـ الأحد في مقرّ المديريّة في المتحف من أجل الإشراف على تفاصيل صفقة التبادل يحيط به عدد من كبار معاونيه، فضلاً عن إبقاء خطوط التواصل مفتوحة مع القطريين وممثلهم في بيروت طوال الأيام الماضية.
وما أن بزغ فجر الأحد، حتى كان الموقوفون والموقوفات في السجون اللبنانيّة والسوريّة في نقاط محددة بعهدة الأمن العام. لم يبقَ شيء من التسوية إلا إنجازها وفق الروزنامة المقررة بضمانة القطريين واشرافهم.
ولكنّ كلّ هذا التفاؤل تبدد منتصف ليل السبت ـ الأحد الماضي، عندما استجدّت معطيات جديدة تفيد بأنّ «النصرة» لم تكتفِ بلائحة المطالب والأسماء، وإنّما أدخلت عليها عناصر تعجيزية جديدة قبيل ساعات قليلة من موعد «ساعة الصفر»، وهذا تحديداً ما أوحى بإمكان عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل يوم «الجمعة السعيد» واسترجاع جولات المفاوضات التي كانت تحصل قبل هذا التاريخ والتي انتهت بالطريقة نفسها.
في حين، لم يدخل اليأس إلى قلوب المفاوضين اللبنانيين خصوصاً بعد تلقي إشارات إيجابيّة من خلف الحدود تؤكّد أن التسوية ما زالت سارية المفعول.
وعليه، ولأنّه كان لزاماً على اللواء إبراهيم أن يشارك في ذكرى أربعين الوزير الراحل الياس سكاف، فقد أنهى واجبه الاجتماعي قبل أن ينتقل إلى أحد فنادق المنطقة محوّلاً إيّاه إلى غرفة عمليّات لمتابعة كافة التفاصيل.
على هذا الأساس، طبّق الجانب اللبنانيّ الاتفاق بحذافيره، خصوصاً أنّ الموعد الزمني لتسلّم العسكريين حدّد يوم الأحد (أمس). فقد توجّهت قافلة مساعدات غذائية وإنسانيّة منذ ساعات الصباح الأولى إلى مدخل عرسال من جهة اللبوة، حيث انتظرت الأوامر للانتقال إلى المناطق التي حددتها «النصرة» لإفراغ حمولتها.
كذلك، كانت السيارات الرباعية الدفع تنتقل إلى وادي حميد وعلى متنها ضابط رفيع المستوى يُمثّل اللواء ابراهيم، بالإضافة إلى سيارات إسعاف. هؤلاء انتظروا كثيراً في النقطة المحدّدة مسبقاً لاستلام العسكريين المحتجزين بحسب ما هو متّفق عليه، إلا أنّهم لم يحصلوا على أي إشارة إيجابيّة، ليعودوا أدراجهم إلى بيروت خالي الوفاض وكذلك الأمر بالنسبة الى اسطول شاحنات المواد الغذائية التي عادت الى بيروت.
كلّ ذلك حصل بين الجمعة والأحد، إلا أنّ لا أحد بوسعه التأكيد أنّ «ما في أمل»، بل إن البعض يعتقد بأنّ الأمور ستعود إلى نصابها بغية إعادة تحريك التّسوية. واكد اللواء عباس ابراهيم عند خروجه من «بارك اوتيل شتورا» (مراسل «السفير» سامر الحسيني) حيث تابع مجريات اليوم الطويل من التفاوض والاتصالات داخل عرسال وجرودها أن «الامور لم تنته وان التفاوض مستمر حتى اللحظة، ولا يمكن الحديث عن فشل».
كذلك، تقصّدت المديريّة العامّة للأمن العام إصدار بيان لفتت فيه الانتباه إلى أنّ كلّ ما تم تداوله في وسائل الإعلام من معلومات حول عملية التفاوض «هي معلومات غير صحيحة وتتنافى كلياً مع الحقيقة، خصوصاً لجهة الحديث عن شروط التبادل»، داعيةً وسائل الإعلام مجدّداً إلى «التعامل مع هذا الملف الإنساني والوطني بمهنية ومسؤولية، لإنجاز هذه العملية وإيصالها إلى خواتيمها السعيدة».
وبدا واضحاً أنّ المديريّة تريد إبعاد الـتأويلات والتحليلات عن هذا الملفّ بهدف عدم إجهاض الصفقة. وهذا يعني أنّ التسوية لم تجهض والمفاوضات لم تصل إلى نقطة اللاعودة.