استعراض «حزب الله» لمجموعة من ملالات أميركية الصنع غنمها في حروبه، أو أتت في سياق تسليحه الإيراني، ولمجموعة من الدبابات السوفياتية الصنع، أعارها الجيش السوري له في إطار تدخل الحزب العسكري الى جانب النظام البعثي الأسدي، هو استعراض مثير في شكله وفي توقيته، وقبل كل شيء في مكانه: بلدة القصير السورية المحتلة، والمهجّر أهلها.
يظهر هذا الاستعراض كم أنّ فكرة التحوّل الى جيش نظاميّ تمكّنت من الحزب «دغدغة»، وهو ما يفترض أن يطرح السؤال العسكري الموازيّ حول حيويته كحركة حرب غوار أو حرب عصابات، إذ من الصعب للغاية الجمع بين مزايا الجيش النظامي ومزايا التشكيلات الغوارية.
لكن الحزب يظهر في حلّة جيش نظامي في القصير، وكلواء إضافي للجيش السوري النظامي. وبعد أن كان كل الجدل المتصل بالمنظومة الدفاعية عندنا يتعلق بكيفية الربط بين القوات المسلحة الشرعية وبين المسلحين غير النظاميين للمقاومة، حسمتها المقاومة في سوريا: أن تكون قوة نظامية أجنبية في جيش نظامي مجاور، مع فارق أن هذا الجيش السوري لم يعد نظامياً بشكل جدي، بل «تَمَليَش« الى حد كبير في السنوات الست الأخيرة، والجيش الأسدي هو منذ عقود طويلة تغلب فيه العصبية الطائفية والإقليمية الهرميةَ العسكريةَ، كما أنّ تقاليده التدميرية والدموية لا تخفي افتقاده منذ عقود طويلة الحد الأدنى من الانضباط.
«حزب الله» – الذي لا يمكن المبالغة في تصوير انضباطية جسمه العسكري هو الآخر، ففي هذا الجسم الكثير من العشوائية والولاءات الموازية و»العائلية»، يقدّم نفسه اليوم في سوريا ككتيبة نظامية ملحقة بجيش سوري نظامي رسمياً، وميليشيويّ على «مافيوي« من ألفه إلى يائه.
جميل أن يحسم «حزب الله» أعواماً طويلة من استعصاء أمر المنظومة الدفاعية على التدبير اللبناني بهذه الطريقة. فلم يعد مطروحاً، ما كان مطروحاً عبثياً بشكل أو بآخر، من عروض «دمج» جسم حزب الله بجسم الشرعية اللبنانية، أو إسباغ تشكيلات الحزب القتالية بصبغة رسمية ما. وللتذكير: البيان الوزاري لوحده لا يكفي لإعطاء هذه التشكيلات مسحة «قوننة»، فكل السلطة الإجرائية لا يمكن أن تقونن حالة الحزب الميليشيوية، إلا بالاستناد الى تشريع. الوضعية القانونية لميليشيات الحزب العاملة في لبنان وسوريا، والمتحركة بين البلدين، هي مسألة لم تعد تجد في البحث عن منظومة دفاعية إطاراً مناسباً لطرحها، ولو كتب البيان الوزاري كله للتقريظ بـ»حزب الله» فهذا لن يغلق المسألة، مسألة الوضعية القانونية لتشكيلات الحزب القتالية في لبنان وسوريا، وشكل علاقته مع المنظومتين العسكريتين الرسميتين في البلدين.
الى ماذا يرمي الحزب باستعراضه ناقلات الجند والدبابات في القصير بعد أسابيع من انطلاقة العهد الرئاسي الجديد في لبنان، وفي فترة التشكيل الحكومي، وأيضاً في هذه المرحلة الحساسة إقليمياً ودولياً، في نهاية ولاية أوباما؟
من السهل المقارنة بحالات استعراض قوة سابقة للحزب في الداخل اللبناني. لكن هذه المرة إن كان ثمة رسالة يوجهها الحزب الى الداخل اللبناني فهو يرسلها من المقلب السوري للحدود، ولهذا دلالة لا يتحكم بها الحزب لوحده، تماماً مثلما أن حركته في سوريا مقيدة، بحركة النظام السوري نفسه.
إذا كانت رسالة الحزب أن لبنان وسوريا تحت الوصاية الإيرانية فالأمور أعقد من ذلك إن في لبنان أو في سوريا. النفوذ الإيراني يطرح نفسه بسياقات وأبعاد مختلفة في البلدين، لكن الحديث عن وصاية إيرانية مستتبة في كل منهما هو إما تفكير «رغائبي» من طرف الممانعين، وإما مبالغة في التشاؤم من قبل أخصام الممانعين. كلما سعى النفوذ الايراني إلى طرح نفسه بشكل وصائي نافر ساهم ذلك في إظهار حدود هذا النفوذ أيضاً، واستثار هذا النفوذ نقائضه.
يسدّد الحزب بلا أدنى شك صفعة قوية لمساعي العزل النسبي لمشكلة سلاحه وحروبه عن التحديات المتصلة بالإقلاع بالعهد الجديد، وتشكيل حكومة، والتحضير لانتخابات نيابية طال انتظارها، لكنه ينهي في الوقت نفسه الجدل السابق حول المنظومة الدفاعية، بصيرورته، في سوريا، لواء نظاميّ الهوى في جيش سوري نظاميّ رسميّاً لا فعلياً.