ليس العرض العسكري الذي أقامه حزب الله في القصير السورية سوى صورة في مشهد كبير: دور الحزب الفاعل في حرب سوريا ومضاعفاته هناك وانعكاسه على الوضع اللبناني. وهذا الدور هو أيضا صورة في مشهد أكبر: وظيفة الحرب الأساسية في الصراع الجيوسياسي بين المحاور الاقليمية على النفوذ ونظام ما بعد سايكس – بيكو، وان كان تركيز الخطاب على الارهاب، وهذه الوظيفة هي أيضا صورة في مشهد أوسع: انخراط موسكو المباشر في الحرب بأحدث آلة عسكرية لحماية النظام، وضمان الوجود العسكري الروسي الدائم على شاطئ المتوسط، وتحقيق نقلة مهمة في استراتيجية الرئيس فلاديمير بوتين لاستعادة مكانة القوة العظمى وفرض الشراكة الندية على أميركا.
واذا أخذنا بكل التحليلات والقراءات والآراء المنقولة عن أوساط في حزب الله، فان العرض كان مجموعة رسائل الى عناوين متعددة. من اسرائيل والارهاب التكفيري الى أميركا ورئيسها المنتخب دونالد ترامب. ومن الداخل اللبناني والداخل السوري الى خصوم محور الممانعة في المنطقة. فضلا عن البيئة الحاضنة للحزب. أقل ما قيل ان حزب الله صار قوة اقليمية لا أحد يستطيع بعد الآن تجاهل حسابها في صراعات المنطقة والتسويات. والبعض اعتبر ان الحزب صار رقما في المعادلة الدولية. لكن هناك من تحدث عن حجم التضحيات، وطرح أسئلة عما قاد الى اقامة عرض عسكري قبل اكتمال النصر في سوريا وبعيد النصر في لبنان.
ومهما يكن، فان السؤال هو: الى أي حد يستطيع حزب الله ان يترجم دوره العسكري الى أرباح سياسية؟ ماذا يعني ان يضع فيتو على تسلم القوات اللبنانية أية حقيبة سيادية أو حقيبة لها علاقة بالأمن؟ وما هو المطلوب من رئاسة العماد ميشال عون للجمهورية: أن يسود الدفع نحو إلحاق لبنان بالمشروع الايراني أم نحو اعادة لبنان الى موقع الاستقلالية والتحييد عن الصراعات الاقليمية؟
أصحاب الأدوار يعرفون أكثر من سواهم ان اللعبة في لبنان والمنطقة بالغة التعقيد والصعوبة. حتى قوة عالمية مثل روسيا، فانها تلعب دورها بمزيج من الاندفاع والحذر وهي تحسب حساب القوى الأخرى. فلا أحد يعرف متى تتوقف حرب سوريا، ولا الصورة التي تتبلور هناك. ولا أحد يجهل ان الانتصارات بقوى ذات طابع مذهبي، ولو ضد متشددين وارهابيين، تقود الى صعود تنظيمات أشدّ تطرّفا من داعش.
والوضع اللبناني دقيق جدا. فلا طرف يستطيع الانتصار على الآخرين، مهما يكن قويا. ولا مجال للحسم الكامل في الصراع الجيوسياسي على الشرق الأوسط. والخيار أمامنا ليس الاندفاع في مشاريع خطرة بل بناء مشروع الدولة.