IMLebanon

«العسكرية» على سكة التعديل.. عندما تهدأ الزوبعة السياسية

المستقبل» يواجه محكمة استثنائية ويدعم أخرى!

«العسكرية» على سكة التعديل.. عندما تهدأ الزوبعة السياسية

لولا الخلاف على التوقيت، لأمكن القول إن كل الكتل النيابية والوزارات المعنية تؤيد تعديل صلاحيات المحكمة العسكرية وحصر دورها بمحاكمة العسكريين. أما وقد كان التوقيت مرتبطاً باعتراض «14 آذار»، وخاصة كتلة «المستقبل»، على الحكم بحق سماحة، فقد أدى ذلك إلى بروز العامل السياسي كدافع رئيسي للاعتراض، بدل العامل القضائي الإنساني المرتبط أساساً بتعارض المحاكم الاستثنائية مع مبادئ العدالة.

وفيما أدى الاعتراض الآذاري إلى تحريك اقتراح القانون المقدم من النائب روبير غانم في العام 2012 المتعلق بالمحكمة العسكرية، والذي أضيف له في العام 2013 اقتراح آخر من النائب إيلي كيروز، فقد تركز النقاش في لجنة الإدارة والعدل، أمس، على مسألة التوقيت، من دون الدخول في جوهر الموضوع، الذي يبدو أن لا خلاف فعليا بشأنه. خاصة أنه تبين أن لكل طرف ملاحظاته وحكايته مع تلك المحكمة، وآخرها ذلك الذي أتى من ناحية «المستقبل». وأكثر من ذلك، فقد كان ثلاثة من النواب الذين شاركوا في اجتماع اللجان (حكمت ديب، زياد أسود وإيلي كيروز) من المتضررين شخصياً من المحكمة، إذ أوقفتهم مخابرات الجيش في 9 آب 2001، مع كثر من زملائهم، وأجبروا على التوقيع على أقوالهم من دون قراءتها، قبل أن يحالوا إلى المحكمة، حيث ترافع عنهم آنذاك النائب إميل رحمة.

باختصار، جمعت الطاولة أمس مجموعة من المتضررين من المحكمة، في فترات متعددة، علماً أن «حزب الله» لطالما اعترض على الأحكام المخففة بحق العملاء، بالرغم من أن يتحسس حالياً من المنحى السياسي للاعتراض على المحكمة. وقد أعلن النائب نواف الموسوي أنه «حين يطرح موضوع إصلاح القضاء العسكري اليوم، نقول في وجه ذلك إننا نريد إصلاح القضاء بصورة عامة وبدءاً من القضاء المختص بمحاكمة عملاء العدو الصهيوني».

هذا الإجماع، الذي لم يبد ممثل وزارة الدفاع بعيداً عنه، خاصة أن ارتباط المحكمة بالجيش يضر بصورته، ظل معلقاً على تناقضين: الأول شكلي يتحفظ على توقيت إثارة الموضوع، بما يشكله من انتصار سياسي لـ«المستقبل». والثاني بنيوي يتعلق بالقناعة المشتركة بأن تعديل قانون المحكمة العسكرية هو أحد أبرز وجوه الإصلاح القضائي.

وبين هذين التناقضين، برز سعي نيابي إلى فك الارتباط بين الأمرين، من خلال الخروج من السياسة الظرفية واعتماد النقاش الهادئ والسعي العلمي لتطوير العدالة في لبنان. وعليه، فإن المطلوب أولاً إبعاد السياسة عن مناقشات اللجنة، وهو أمر لا يجده معظم أعضائها صعباً لأنه «إذا كانت السياسة قد ساهمت في تحريك الملف، فإن عملاً تقنياً يتنظر اللجنة، وهي لن تنتهي من عملها في جلسة أو اثنتين، بل ربما تحتاج لعشرات الجلسات، بما سيعني حكماً اضمحلال العامل السياسي». علماً أن نائباً كغسان مخيبر، سبق له أن قدم منذ عشرين سنة (1997) دراسة يوضح فيها الأسباب الموجبة لضرورة حصر صلاحيات المحكمة العسكرية، يرى أن «طرح أي إصلاح بنيوي غالباً ما يكون مسبوقاً بضغط ما، سياسياً كان أو اجتماعياً. ويركز أن القضية ليست جديدة ولم تولد مع الاعتراض الآذاري على المحكمة»، مذكراً بأنه في نيسان من العام 1997 أصدرت «لجنة حقوق الإنسان» التابعة للأمم المتحدة في دورتها الـ59 المنعقدة في نيويورك توصية تتعلق بالقضاء العسكري اللبناني، تدعو فيها لبنان إلى «إعادة النظر في صلاحية المحاكم العسكرية ونقلها الى المحاكم المدنية في جميع المحاكمات التي تتعلق بالمدنيين أو بحالات انتهاك حقوق الإنسان التي يقترفها العسكريون».

وإذا كانت المحكمة العسكرية قد ولدت مع ولادة لبنان وتوسعت صلاحياتها لتشمل النظر في الاعتداءات على أمن الدولة والداخلي والخارجي في العام 1958، فإن المطلوب، بحسب كثر، هو وقف مخالفة مبدأ العدالة، الذي تبقى الاستقلالية وحصانة القضاء أبرز وجوهه، وهو ما ليس متوفراً في المحكمة العسكرية، حيث القضاة العسكريون موظفون يعينون بقرار وزاري.

ومع التأكيد أن «ما لا يدرك كله لا يدرك جله»، على ما قال النائب علي عمار، فإن المطلوب من النواب أن تكون النظرة الإصلاحية للقضاء نظرة شاملة لا استنسابية، بحيث تؤدي في النهاية إلى تثبيت معايير القضاء السليم، أي النزاهة والاستقلالية والفعالية. وهو ما تؤيده لجنة الإدارة والعدل، التي بدأت ورشة إصلاح القضاء مع مناقشة أصول المناقلات القضائية وقانون العقوبات واقتراح قانون يتعلق بأصول المحاكمات الجزائية. كما طلبت من مجلس القضاء الأعلى ومجلس شورى الدولة تقديم اقتراحات تؤدي إلى إصلاح القضاء.

والحديث عن الإصلاح لا يستثني أيضاً المجلس العدلي، الذي يناقض «المستقبل» نفسه عندما يدعو إلى إحالة جريمة ميشال سماحة عليه، فيعطي لموقفه من «العسكرية» بعداً سياسياً لا إصلاحياً. إذ لا يمكن انتقاد المحكمة العسكرية بوصفها محكمة استثنائية وتعويم المجلس العدلي، الذي يعتبر في الخانة نفسها. وبالرغم من أن قضاته هم من القضاة العدليين، إلا أنه يعاني من مشكلتين، بحسب مخيبر: الأولى تتعلق بإحالة الجرائم إليه من قبل الحكومة وتعيين محقق عدلي لكل ملف، بما يشكله ذلك من تسييس للإحالة والتعيين. والثانية والأهم، عدم إمكانية مراجعة قرار المجلس، علماً أن الاستئناف في القانون الجزائي هو مبدأ من مبادئ القانون ومعايير العدالة التي ينص عليها الدستور.

انتهت جلسة أمس بتأكيد المضي قدماً في عملية إصلاح القضاء، بعد أن تهدأ الزوبعة السياسية التي أثيرت مؤخراً. وقد ركز رئيسها النائب روبير غانم بعدها على تبيان الحاجة إلى درس اقتراح القانون المتعلق بالمحكمة العسكرية، بوصفه جزءاً من كل «لأن العدالة لا تتجزأ، أكان في القضاء العدلي أو في القضاء الاستثنائي، ويجب أن تكون واحدة». وعليه، فقد أعلن أن اللجنة ستتابع دراسة الاقتراح يوم الاربعاء المقبل.